المال السياسي المقنع يهدّد الانتخابات التونسية: التمويل المشبوه

المال السياسي المقنع يهدّد الانتخابات التونسية: التمويل المشبوه

05 ديسمبر 2022
مخاوف من توسع التمويل المشبوه في الحملات الانتخابية (Getty)
+ الخط -

لا يبدو شبح المال السياسي بعيداً عن برلمان تونس القادم بعد أن سيطر نفوذ الكارتلات المالية على النسخ الماضية من مجلس النواب التونسي، وسط توقعات بتشكل مشهد جديد تقوده المصالح القطاعية في توافق مع منظومة الحكم التي يؤسس لها الدستور الذي يمنح صلاحيات أوسع للحكم المحلي.

وينتخب التونسيون يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول الحالي برلمانا جديدا طبقا لأحكام الدستور الذي أقره الاستفتاء الذي أجري في يوليو/ تموز الماضي بعد عام من تجميد الرئيس قيس سعيد للبرلمان المنتخب عام 2019.

وسيتنافس 1052 مرشحاً في 151 دائرة انتخابية بالداخل، موزعة على 24 ولاية، وثلاثة مرشحين فقط في الخارج، بينما بقيت 7 دوائر بالخارج دون مرشحين.

فيما حذرت منظمات وأحزاب من الثغرات التي شابت المرسوم الانتخابي الذي سنه قيس سعيّد بمفرده في منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، الذي فتح المجال أمام المال السياسي المقنّع، وبعض أصحاب النفوذ والوجهاء والكارتلات المالية للترشح بسبب إلغائه التمويل العمومي للحملات الانتخابية.

ويقول المدير التنفيذي لمنظمة "أنا يقظ" (منظمة مدنية متخصصة في مكافحة الفساد) مهاب بالقروي، إن عودة المال السياسي إلى الواجهة عبر المؤسسة التشريعية الجديدة أمرا مطروحا بقوة في ظل قصور الأجهزة الرقابية، مرجحا تسلل أموال أجنبية لتمويل الحملات الانتخابية وصعود برلمانيين تحوم حولهم شبهات فساد.

وأكد بالقروي في تصريح لـ"العربي الجديد" تلقّي المنظمة إشعارات عن تداول أموال أجنبية تستعمل في الحملة الانتخابية عبر أحزاب سياسية أعلمت بها المنظمة البنك المركزي التونسي.

وأضاف المدير التنفيذي لمنظمة "أنا يقظ" أن التمويل المشبوه للانتخابات ومحاولة سيطرة النافذين على البرلمان الجديد لن يتوقفا، مؤكدا أن وجه الاختلاف بين النسخة الحالية من الانتخابات والنسخ الماضية هو ضعف هيئات الرقابة وعدم استقرار مؤسسات القضاء، ما يزيد من فرضيات تقصى المخالفين من العقاب.

ولا يستعبد المتحدث إمكانية صعود بارونات التهريب الذين يتمتعون بنفوذ واسع في دوائرهم الانتخابية في البرلمان الجديد، ما يسمح لهم بالسيطرة على المشهد وشراء الأصوات عبر الأموال التي يدفعونها للناخبين.

وخلال العقد الماضي، لم يخف رجال الأعمال وكبار المتعاملين الاقتصاديين في تونس دعمهم مرشحي الانتخابات حيث لا تخلو حملات المرشحين من مختلف الأحزاب السياسية من حضور بارز لشخصيات اقتصادية نافذة، فيما تظل الأرقام المالية التي يضخها رجال الأعمال في حسابات الأحزاب والمترشحين مخفية، رغم قوانين الرقابة الصارمة على حسابات الأحزاب والحملات الدعائية وسط تحذيرات من التأثيرات السلبية الخطيرة للمال السياسي الداخلي والخارجي.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد حذّر بدوره من المال السياسي الفاسد، ومن خطورة صعود المهربين والمحتكرين والمضاربين على الحياة السياسية.

وأشار سعيد في لقاء جمعه برئيسة الحكومة مها أبو ودن وقبلها مع وزير الداخلية توفيق شرف الدين، إلى أن "المرسوم المتعلق بالانتخابات ينصّ على عقوبات جزائية، سواء بالنسبة إلى الراشي أو المرتشي، ويجب الانتباه إلى ما يُدبر له البعض عن طريق المال الفاسد لشراء الذمم"، على حد قوله.

وعادة ما يصطف أصحاب النفوذ المالي في تونس وراء السلطة التنفيذية حيث تتشابك مصالح رجال الأعمال وأعضاء الحكومة والبرلمان فيما يترك الشعب لمواجهة مصيره بسبب الوضعين الاجتماعي والاقتصادي المتردي في البلاد. غير أن الوضع اختلف ما بعد 25 يوليو 2021، حيث لا تبدو العلاقة جيدة بين السلطة ومنظمة الأعمال بسبب اتهامات تلاحق رجال أعمال بتحقيق مكاسب غير مشروعة.

بينما تحتدم معركة النفوذ بين أصحاب المال ودوائر القرار السياسي، يواصل التونسيون معركتهم اليومية مع ضغوط الأسعار والتضخم والفقر الذي يدفع بهم للاحتجاج في الشوارع للمطالبة بتحقيق مطالب الثورة الأساسية وهي التشغيل والتقسيم العادل للثروات.

وسجل عجز موازنة تونس وفق آخر تحديث لوزارة المالية ارتفاعا إلى 3.03 مليارات دولار مقابل عجز متوقع بداية العام بقيمة 2.6 مليار دولار

وتحاول تونس، التي تعاني أزمة مالية حادة، إيجاد حلول لإنعاش اقتصادها من خلال قرض صندوق النقد الدولي.

ويرجح الخبير الاقتصادي خالد النوري أن ينتج البرلمان الجديد مشهدا مختلفا تسيطر فيه لوبيات جهوية قطاعية تدافع عن مصالح منظوريها داخل الجهات في محاولة لنقل النفوذ من المركزي نحو الجهوي تماهيا مع النموذج الاقتصادي الذي تنوي سلطة سعيد تنفيذه عبر مشاريع الشركات الأهلية والصلح الجزائي.

عادة ما يصطف أصحاب النفوذ المالي في تونس وراء السلطة التنفيذية حيث تتشابك مصالح رجال الأعمال وأعضاء الحكومة والبرلمان فيما يترك الشعب لمواجهة مصيره


وقال النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" إن أكثر من 50 بالمائة من المترشحين للبرلمان الجديد هم موظفون في القطاع الحكومي، وهم في الأغلب مناصرون لمشروع سعيد.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن تونس تسير نحو نظام إقليمي مركّب تسيطر فيه مصلحة أطراق قطاعية في الجهات على حساب المصلحة العامة ما قد يزيد في تشظي المشهد الاقتصادي، بحسب قوله.

وتوقّع النوري أن يجد مرشحو البرلمان الحالي دعما من رجال الأعمال المعنيين بالصلح الجزائي أو الملاحقين في قضايا مالية في محاولة منهم للتسلل إلى المشهد الجديد لحماية مصالحهم.

وغالبا ما يظهر دور لوبي رجال الأعمال في التأثير على البرلمان والحكومة أثناء مناقشة قانون المالية، حيث يكثف المتعاملون الاقتصاديون الضغوط من أجل تمرير موازنة مخففة من الضرائب توفر لهم المناخ لتحقيق أكبر قدر من الأرباح مقابل ما يسمونه بالمساهمة في التنمية وخلق فرص العمل.

 

المساهمون