العقوبات الغربية على روسيا تضع تحالف شي ـ بوتين تحت الاختبار

العقوبات الغربية على روسيا تضع تحالف شي ـ بوتين تحت الاختبار

03 مايو 2022
أوكرانيا ميدان اختبار للعلاقات بين شي وبوتين (رويترز)
+ الخط -

تختبر الحرب الروسية في أوكرانيا تحالف الرئيسين الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين، إذ إنّ المصالح التجارية الواسعة للصين مع الولايات المتحدة وأوروبا تقف عقبة أمام رغبة بكين في دعم حليفها الذي تدخره لمواجهة مقبلة مع الولايات المتحدة.

ورغم مخاوف الغرب من أن ترتطم خطط محاصرة الدول الغربية الاقتصاد الروسي، التي تقودها الولايات المتحدة وأوروبا لوقف الحرب الروسية الشرسة في أوكرانيا، بأطماع الشركات الصينية التي تتربح من الحرب الأوكرانية، تتقيد الشركات الصينية الحكومية الكبرى، حتى الآن، بالعقوبات الغربية، ومعظم الصفقات التي نفذت مع روسيا حتى الآن اقتصرت على الشركات الصغيرة والعقود التجارية التي كان متفق عليها قبل أزمة أوكرانيا.

فقد رفضت شركة التسوية المالية الرئيسية الصينية يونيون باي، في إبريل/ نيسان الماضي، التعاون مع البنوك الروسية.

وتستهدف أوروبا عبر الجولة السادسة من العقوبات المشددة على موسكو، التي ستشمل صادرات النفط حسب تصريحات مسؤولين أوروبيين، كسر عظم الاقتصاد الروسي وتجفيف منابع التمويل المتاح للحرب، وبالتالي إجبار موسكو على قبول الحل السلمي للحرب الأوكرانية.
لكن يرى محللون أنّ ذلك سيعتمد بدرجة كبيرة على تعاون بكين مع القوى الغربية، إذ تقف حتى الآن على الحياد من الحرب الروسية في أوكرانيا، وتوازن بين مصالحها التجارية الغربية وبين دعم روسيا.

ولاحظت شركات ومراكز أبحاث أنه ومنذ بداية تنفيذ الحظر الغربي على روسيا، تستغل الشركات الصينية الصغيرة، وإلى حد ما الشركات الهندية، العقوبات الغربية لتحقيق مكاسب من العقوبات عبر شراء النفط والسلع الروسية بأسعار رخيصة.
كما لاحظت أن الحكومة الصينية تسعى لاستغلال العقوبات بشكل مباشر في تعزيز مكانة اليوان الصيني على حساب الدولار في التسويات التجارية مع روسيا، التي لجأت لاستخدام اليوان بعد حظرها من التعامل بالدولار.

وهو ما يعني عملياً أنّ روسيا المحاصرة مالياً واقتصادياً في الأسواق العالمية لا تستطيع بيع سلعها الاستراتيجية في الأسواق الدولية، لأنّ معظم مصارفها الكبرى وبنكها المركزي باتت محرومة من استخدام نظام التحويلات الدولية "سويفت" أو التعامل بالدولار.
على صعيد التجارة الروسية الصينية، كشفت شركة فنواي لمعلومات الطاقة الصينية أنّ تجار الصين نفذوا منذ بداية الحظر الغربي على موسكو مجموعة من الصفقات السلعية الروسية بالعملة الصينية، كما حصلوا على حسومات كبيرة مستغلين في ذلك اضطرار روسيا التي أضعفها الحظر الغربي وباتت بحاجة ماسة لتمويل الحرب على أوكرانيا.
وشملت هذه الصفقات، وفقاً لما ذكرت "فنواي"، الفحم والنفط وسلعاً استراتيجية أخرى. وفي ذات الشأن، كشف موقع سن غولد. أورغ الصيني أنّ أولى شحنات السلع الصينية التي جرى التعاقد عليها، ومن بينها شحنات فحم، وصلت إلى الموانئ الصينية في إبريل/ نيسان الماضي، كما توقع الموقع أن تصل شحنات من النفط إلى الصين خلال الشهر الجاري من دون أن يحدد موعداً محدداً لوصولها.

وحسب بيانات الجمارك الصينية التي ذكرتها نشرة أويل برايس الأميركية أخيراً، فإنّ حجم واردات الصين من الفحم الروسي تضاعفت في مارس/ آذار، مقارنة بحجمها في نفس الشهر من العام الماضي 2021. كما أظهرت بيانات الجمارك الصينية أنّ حجم واردات السلع المستوردة من روسيا ارتفعت بمعدل كبير منذ منتصف إبريل/ نيسان.

وحسب بيانات مصلحة الجمارك الصينية التي ذكرتها "أويل برايس"، فإنّ إجمالي واردات السلع من روسيا ارتفع إلى 21.73 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجاري. وهو ارتفاع بلغت نسبته 31.4% مقارنة بما كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي.
ويعد النفط الخام من أكبر واردات الصين من روسيا، حيث بلغت وارداته في العام الماضي نحو 1.6 مليون برميل يومياً في المتوسط، منها 800 ألف برميل عبر تعاقدات حكومية مباشرة مع وزارة الطاقة الروسية تمررعبر أنبوب نفطي، والباقي مشتريات الشركات والمصافي الصينية عبر الناقلات النفطية.

وتعد روسيا ثالث أكبر منتج للنفط بعد الولايات المتحدة والسعودية. لكن لا يستبعد محللون أن تكون هذه الصفقات السلعية مع الصين تمت قبل الأزمة الأوكرانية أو عبر شركات صغيرة.
وحتى الآن، تعقد روسيا الآمال على الصين في مقاومة الحظر الغربي، رغم أنّ الصين من الناحية الرسمية تبدو حذرة من التضحية بمصالحها التجارية في أوروبا وأميركا، أو حتى إعلان موقف واضح في دعم موسكو، وتركت عملية الدعم لبعض الشركات الصغيرة.

وكانت الولايات المتحدة قد حذرت الصين في مارس/آذار من خرق العقوبات الغربية على روسيا. ذكرت وكالة رويترز، في تقرير الشهر الماضي، أنّ المصافي الصينية الكبرى ترفض حتى الآن شراء شحنات نفطية جديدة وتتقيد بقوانين العقوبات الغربية على روسيا وتتخوف من الحظر الغربي على صادراتها.
وتواجه الصين ضغوطاً اقتصادية في الوقت الراهن بسبب تجدد تفشي جائحة كورونا وأزمات السوق المالية، وبالتالي، فإنها لا ترغب في صداع جديد يعرضها للحظر المالي من قبل الولايات المتحدة وأوروبا.

وتعتمد الصين على ثلاثة عوامل في النمو الاقتصادي، وهي التجارة الخارجية والاستثمارات الأجنبية والاستهلاك المحلي. وهذه العوامل الثلاثة تتراجع في الوقت الراهن وتؤثر بشكل مباشرعلى خطط نموها الاقتصادي.
ويرى خبراء أنّه على الرغم من التحالف الاستراتيجي الذي يربط بين الزعيمين الصيني والروسي ومصالح الطرفين في هزيمة القوى الغربية وبناء نظام عالمي جديد متعدد الأطراف، فإنّ بكين تتخوف على مصالحها التجارية مع أوروبا وأميركا.

وبلغت تجارة الصين في العام الماضي أكثر من 6 تريليونات دولار، معظمها مع أميركا وأوروبا. وبالتالي، فإنّها ربما لن تغامر بخرق الحظر التجاري الغربي على روسيا.
وكدليل على ذلك، فإنّ مجموعة "آر بي سي" الروسية الإعلامية في موسكو قالت، في 20 إبريل/نيسان الماضي، إنّ منظمة التحويلات المالية الصينية يونيون باي، التي تجري تسويات لبطاقات الائتمان في العديد من دول العالم، رفضت التعاون مع البنوك الروسية بسبب مخاوفها من التعرض للحظر الأميركي والأوروبي. ويرى الخبير في مركز أبحاث تيانغون الصيني، ألبرت سونغ، في تعليقات لصحيفة ذا أي بوك تايمز التي تصدر في نيويورك، أنّ الحزب الشيوعي الصيني يحتاج إلى نظام التسويات البنكية الداخلية الأميركية الذي يوجد مقره في نيويورك لتمرير قيمة صفقاته الدولارية من الصادرات وعدم حظرها.

ونظام "الإنتربنك الأميركي" يقوم بتسوية الصفقات الدولارية ويراقب توافقها مع القوانين الأميركية. ويرى الخبير سونغ أنّ أي حظر للصين سيعرقل حصولها على قيمة صادراتها بالدولار.

وعلى صعيد مشتريات السلع الروسية باليوان وتأثيرها على مركز الدولار العالمي في التجارة والتسويات الدولية، يقول سونغ إن مشتريات الصين من روسيا ستظل محدودة ولن تؤثر على مركز الدولار، ولكنه يشير إلى أن الخطورة على مكانة الدولار ربما تكمن في حال نجحت المفاوضات الجارية بين الرياض وبكين الرامية لاستخدام اليوان في تسديد مشتريات الخامات النفطية السعودية.

ويقلل سونغ من أهمية المشتريات الروسية لتعزيز مكانة اليوان دولياً، قائلاً إنّ "أهمية العملة تنبع من استخدامها من قبل دول عديدة للتسوية المالية، وهذا غير متوفر للعملة الصينية".

ويضيف أنه على الرغم من زعم الحزب الشيوعي الصيني أنّ اليوان في طريقه لمنافسة الدولار، فإنّ حصته من التسويات الدولية لا تزال لا تتجاوز نسبة 3.2% من إجمالي التسويات العالمية مقارنة بحصة الدولار أو اليورو.
ويرى خبراء أنّ اليوان عملة غير حرة وتسيطر عليها الدولة، وبالتالي فأمامها سنوات لمنافسة الدولار. ويذكر أنّ الصين تسعى إلى تدويل اليوان والاستفادة من الحرب الروسية في أوكرانيا لتعزيز معاملاته التجارية، وتأمل في بناء كتلة دولية تستخدم اليوان بدلاً من الدولار.

المساهمون