الشمال السوري يحصي خسائره: الخراب طاول كل شيء

الشمال السوري يحصي خسائره: الخراب طاول كل شيء

14 فبراير 2023
الزلزال فاقم الأزمات الإنسانية لسكان شمال سورية (رامي السيد/فرانس برس)
+ الخط -

بدأ السوريون في مناطق الشمال المنكوبة من الزلزال المدمر في إحصاء مبدئي للخسائر الباهظة التي فاقمت أوضاعهم الإنسانية وألقت بظلالها السوداء على معيشتهم المتأزمة.

ويأتي ذلك الدمار وسط تحذيرات من المبالغة في الخسائر من قبل النظام السوري من أجل حصد أكبر المكاسب الممكنة والتي قد تصل إلى بناء مدن جديدة تستفيد منها حكومة بشار الأسد، وفي المقابل تتواصل مأساة المواطنين في الشمال الذي تباطئ العالم في تقديم يد المساعدة له.

خسائر تقديرية
يقدر الاقتصادي السوري محمود حسين حجم الخسائر بمناطق سيطرة المعارضة بأكثر من ملياري دولار، إذا ما احتسبنا خسائر العقارات والمنشآت والأراضي الزراعية والبنية التحتية، إذ أتى الزلزال على أكثر من 40 منطقة بالشمال المحرر بشكل كامل، فنال من الموجودات والمباني وشرد أكثر من 1.2 مليون سوري".
ويبيّن حسين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأضرار طاولت الأسواق التجارية النشطة بالمناطق الحدودية مع تركيا وبعض الاستثمارات الصغيرة، الزراعية والصناعية، في مناطق سلقين وحارم وسرمدا بريف إدلب، وجندريس بريف حلب، مكرراً أن الحديث عن الخسائر بدقة ما زال مبكراً بعموم سورية، رغم أن النظام يبالغ بطرح الأرقام.

ويلفت الاقتصادي السوري إلى مساهمة المدن السورية المنكوبة بالناتج المحلي لعام 2020، إذ تأتي حلب في المرتبة الأولى لجهة مساهمتها في الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة تُقدر بنحو 16.04%، وتأتي حماة في المرتبة الخامسة بنسبة مساهمة قدْرها 8.78%، واللاذقية في المرتبة السادسة بنسبة قُدّرت بحوالي 7.81%.

فخ المبالغة
يحذر الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض نصر الحريري من "وقوع الدول العربية والأجنبية بفخ مبالغات رئيس النظام بشار الأسد للخسائر في مناطقه رغم أنها أكبر في المناطق المحررة بالشمال السوري".
ويصف الحريري تركيز رئيس النظام على كسر الحصار وإلغاء العقوبات بـ"المتاجرة" لأن جميع العقوبات الدولية تستثني الوضع الإنساني والمساعدات الطبية. لكن الأسد وجدها فرصة، برأي الحريري، للتعويم وكسب الأموال، رغم أن ما قتله بالقصف والإبادة يفوق أضعاف ضحايا الزلزال.
من جهته، يرى الاقتصادي السوري عبد الناصر الجاسم أن الوقت مبكر لتحديد الخسائر، المالية خاصة، لكنها، بلا شك، أكبر بمناطق سيطرة المعارضة، نظراً لحجم الأضرار البشرية والمادية التي حدثت، متسائلاً خلال تصريحه لـ"العربي الجديد"، عن طرق احتساب الخسائر بمناطق النظام، وقال: "بدأوا يرمون المليارات بإشارة مكشوفة لاستغلال الأزمة".

ينشغل نظام الأسد، حتى قبل رفع الأنقاض وإحصاء القتلى والخسائر، باغتنام الحالات الإنسانية والكارثة التي ألمت بسورية لكسر العزلة


وكان أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق علي كنعان قد قدر الخسائر بمناطق النظام بنحو 3 مليارات دولار، مشيراً خلال تصريحات أمس، إلى أن آثار العقوبات الأميركية وقانون "قيصر" على الاقتصاد السوري تبلغ نحو 8.8 مليارات دولار جراء التأثير على الصناعة والتجارة، بحسب قوله.
وذهب "رجال النظام" أمس، خلال اجتماع لمناقشة "قرار تجميد العقوبات المؤقت لقانون قيصر"، عقد في قاعة رضا سعيد بدمشق، إلى بحث "ضرورة استغلال سورية لتجميد العمل بقانون قيصر لفترة 6 أشهر والاستفادة من فتح الباب أمام الدول في تقديم مواد الإغاثة للمتضررين في مناطق الزلزال"، كما قال الأكاديمي السوري إبراهيم عدي لـ"موقع صحيفة الوطن"، المقربة من النظام، وأضاف أن "هناك ضرورة لاعتبار الحكومة السورية مركزاً معتمداً في تقديم المعونات".
كما توقّع الأستاذ في كلّية الاقتصاد في جامعة تشرين ذو الفقار عبود أن يصل التأثير الاقتصادي للزلزال في سورية إلى أكثر من 1.1 مليار دولار بشكل مبدئي، كما من المتوقّع أن تبلغ الكلفة الاقتصادية بشكل عام حوالي 1.6% من الناتج المحلّي الإجمالي للفرد.
وفيما يراه مراقبون مبالغات بالتقدير، يشير موقع "سيريا ستيبس" القريب من نظام الأسد إلى أن الخسائر الاقتصادية نتيجة الزلزال تصل لنحو 30 مليار دولار، بعد خسارة سورية 30% من الناتج المحلي، ملمحاً إلى وجود "مساعدة تتلقاها سورية من الإمارات وغيرها، وقد تتمثل في بناء ضواح سكنية جديدة للمنكوبين".

إهمال المناطق المحررة
يؤكد رئيس هيئة الإعلام بالحكومة السورية المؤقتة محمد علاء الدين استمرار التقاعس الدولي تجاه المنطقة المنكوبة في شمال غربي سورية، رغم الحاجة الماسة، سواء لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض، لأن إمكانية الدفاع المدني السوري محدودة، عدة وعدداً، كما أن هناك مشاكل كبيرة في إيواء الأعداد المتزايدة جراء تهديم نحو 7000 منزل وتضرر أكثر من 6000 خرج سكانها خشية سقوطها بسبب استمرار الهزات الارتدادية.

ويؤكد علاء الدين لـ"العربي الجديد"، على تعامل المجتمع الدولي مع منكوبي سورية "بمكيالين"، ففي حين تصل المساعدات لمناطق النظام، يتذرع المجتمع الدولي بالمعابر ويسيس الحالة الإنسانية، مبيناً أن نحو 5 ملايين سوري بالمناطق المحررة بحاجة لمساعدات، منهم نحو مليون سوري تضرروا بالزلزال.
وكان الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة قد قال في بيان، أول من أمس، إن تعامل الأمم المتحدة مع كارثة الزلزال في سورية كان مسيساً ولا يراعي الاحتياجات اللازمة لكل منطقة.

النظام منشغل بالمكاسب
وينشغل نظام الأسد، حتى قبل رفع الأنقاض وإحصاء القتلى والخسائر، باغتنام الحالات الإنسانية والكارثة التي ألمت بسورية لكسر العزلة والعقوبات والخروج بمظهر الحريص على حياة السوريين وسلامتهم، رغم أن العامل الأبرز الذي ساهم بزيادة تهديم المباني شمال غرب سورية على رؤوس قاطنيها، يعود، بحسب رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية أسامة قاضي، لسببين اثنين: الأول تعرّض تلك المناطق، وعلى مدى سنوات الثورة، للقصف الروسي الأسدي المستمر، ما أثر على تماسك المباني أمام زلزال يوصف بالأقوى منذ قرن، بعدما بلغت شدته بمركزه التركي "كهرمان مرعش" إلى 7.7 درجات على مقياس ريختر. والسبب الثاني، كما يقول قاضي لـ"العربي الجديد"، يأتي من عدم الرقابة على البناء بعموم سورية، ومنها الشمال الخاضع لسيطرة المعارضة، خاصة خلال الثورة وسعي السوريين الهاربين من القصف لتأمين مسكن ولو بمواصفات متردية.

المساهمون