الأسواق العالمية تهدأ مؤقتاً بانتظار حسم أزمة أوكرانيا

أسواق المال تأخذ في الحسبان تراجع روسيا عن غزو أوكرانيا

17 فبراير 2022
بوتين قلق من حرب الانتصار أو الانتحار (Getty)
+ الخط -

بدأت أسواق المال تأخذ في الحسبان احتمال تراجع روسيا عن غزو أوكرانيا بعد سحبها جزءاً من الحشود العسكرية عن الحدود الأوكرانية، وبالتالي قد لا تكون هنالك حاجة لعقوبات مالية واقتصادية على روسيا تهدد إمدادات النفط والغاز الطبيعي لأوروبا، وتحدث اضطرابات في أسواق المال العالمية.

وبنى خبراء المال والاستثمار سيناريوهاتهم خلال الأسابيع الماضية على التقارير الأميركية التي توقعت غزواً روسياً وشيكاً لأوكرانيا، ولكن يبدو أن موسكو كانت تساوم فقط على حماية نفوذها الجيوسياسي ومستقبل أمنها لانتزاع ضمانات أمنية من واشنطن. ويرى محللون أن الرئيس فلاديمير بوتين وجد نفسه أمام خيارات صعبة، وهي إما أن ينتصر أو ينتحر في الحرب الأوكرانية، وبالتالي ربما قرر اللجوء إلى التفاوض مع الغرب.

وكدليل على ذلك، عاد المستثمرون لاحتساب مستقبل حركة الأسواق على الأسس الرئيسية التي تحكم أداء الأسواق من التضخم وجائحة كورونا والسياسات النقدية وتداعياتها على دورة النمو الاقتصادي، وبالتالي ارتفعت الأسهم الأوروبية في مستهل يوم أمس الأربعاء.

كذلك هدأت أسعار النفط والغاز الطبيعي من الارتفاعات المرعبة التي شهدتها وعادت الألوان الخضراء لمؤشرات البورصات في أوروبا ووول ستريت، حيث أغلق مؤشر داوجونز مرتفعاً 300 نقطة.

وفي يوم الثلاثاء، وبعد إعلان روسيا سحب بعض قواتها من الحدود الأوكرانية، تراجعت أسعار النفط من أعلى مستوياتها في سبع سنوات بنسبة 3%، وعادت أمس الأربعاء للتعامل بشكل طبيعي. كذلك تراجعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، وخسر الذهب 13 دولاراً.

في هذا الشأن، قال رئيس وحدة الأسواق في مصرف "آي أن جي" الهولندي كارستين برزيسكي: "منحت تصريحات الرئيس بوتين بسحب جزء من القوات من الحدود الأوكرانية هدوءاً في تعاملات الأسواق، ولكن يجب الانتظار حتى نتأكد مما إذا كان ذلك يعني هدنة قصيرة في الأزمة أو لا".

من جانبه، قال الخبير الاستثماري البريطاني ديفيد كومبز: "هنالك مجموعة من العوامل التي تقلق المستثمرين، من بينها التضخم وعدم الثقة في قرارات البنوك المركزية ومشاكل سلاسل الإمداد العالمية والانتعاش غير المتساوي في الاقتصاد العالمي". وأضاف كومبز في تعليقات نقلتها أمس صحيفة "وول ستريت جورنال": "رغم هذه العوامل العديدة، تبقى أزمة أوكرانيا الأكثر تأثيراً بالمستثمرين في أسواق المال".

وكان محللون قد تخوفوا من تدمير الأزمة الأوكرانية للدورة الاقتصادية الضعيفة، خاصة في الدول الغربية التي تعتمد على الطاقة والمعادن في الصناعة.

وتسيطر كل من روسيا وحليفتها الصين على إنتاج معادن رئيسية، من بينها الحديد والنيكل والصلب واليورانيوم والألمونيوم، وذلك إضافة إلى هيمنة روسيا على إنتاج الغاز الطبيعي وحصة 10% من إنتاج النفط العالمي، أي نحو 11.2 مليون برميل يومياً. ولكن ما جرى حتى الآن من تراجع للجيش الروسي لا يعتبر نهاية للأزمة، ولكنه تعليق فقط في الوقت الراهن، ولا تزال المخاوف بشأن الأزمة قائمة ولم تنته بالكامل.

في هذا الصدد، قال بنك "جيه بي مورغان" الأميركي عبر مذكرة بحثية، إن الكثير من الأخبار السيئة يجري تسعيرها بالفعل في الأسواق، مشيراً إلى أن صراعاً محتملاً بين روسيا وأوكرانيا من المرجح أن يؤدي إلى إعادة تقييم خطط البنوك المركزية بشأن رفع الفائدة المصرفية".

وتُعَدّ الضمانات الأمنية التي تتفاوض عليها روسيا مع واشنطن حول عدم توسّع حلف شمال الأطلسي (ناتو) في أوكرانيا ودول أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وجنوب القوقاز، وعدم نشر صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى في مناطق تهدد الأهداف في روسيا أو مناطق النفوذ الروسي، من أكبر معوقات حل الأزمة الأوكرانية، لأنها تصطدم بسيادة دول أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وحريتها في اتخاذ قرارها الأمني الخاص دون إملاءات روسية.

ويرى محللون في مركز "أتلانتك كاونسل" للدراسات، أن أي ثمن تدفعه الدول الغربية في تسليح أوكرانيا ودعم دفاعاتها بدرجة تمنع الرئيس فلاديمير بوتين من غزو أوكرانيا، ستكون أقل كلفة من اندلاع الحرب.

وعلى الرغم من أن الحرب الروسية الأوكرانية ستكون مكلفة اقتصادياً ومالياً على الدول الغربية، وقد تدفع اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي نحو الركود وتهدد مسارالسياسة النقدية الأميركية وتقود إلى تعليق رفع سعر الفائدة، ولكنها في المقابل أكثر كلفة على الاقتصاد الروسي بحساب العقوبات التي اتفق التحالف الغربي عليها لردع روسيا وعزلها دولياً.

ويشمل الحظر المخطط له من قبل واشنطن العقوبات الشخصية على الرئيس بوتين ودائرة النفوذ الداخلية المحيطة به سياسياً، وتشمل حرمان روسيا استخدام نظام التحويلات الدولية "سويفت" والمصارف الحكومية والمتاجرة في سندات الدين الروسية وحظر المصارف الروسية، وخاصة الحكومية.

وبالتالي، ربما فكرت الحكومة الروسية في حجم الخسائر في حرب غير مضمونة الانتصار مقابل هذه الكلف الباهظة. وقد خسرت أسواق المال الروسية، حسب بيانات نشرتها صحيفة "فايننشال تايمز"، نحو 100 مليار دولار في شهر يناير/ كانون الثاني، وربما كانت قد خسرت أكثر خلال الأيام التي مضت من الشهر الجاري، كذلك اهتزّ سعر صرف الروبل الروسي، وشهدت الأسواق هروباً كبيراً من قبل المستثمرين.

المساهمون