إيرادات العراق المخفية: فوائض كبيرة للموازنة من انتعاش أسعار النفط

إيرادات العراق المخفية: فوائض كبيرة للموازنة من انتعاش أسعار النفط

19 فبراير 2022
ارتفاع كبير في إيرادات النفط خلال الشهور الأخيرة (فرانس برس)
+ الخط -

تخطي أسعار النفط عتبة الـ 90 دولاراً أميركياً للبرميل الواحد، يضع العراق في مأمن من الاقتراض الخارجي إضافة إلى تراجع حدة العجز في موازنة 2022، التي من المفترض أن تستكمل خلال الشهرين المقبلين، مع حديث مسؤولين عراقيين عن عزم الحكومة إعادة الحياة لعدد من المشاريع التي تم إيقافها خلال السنوات الماضية بسبب العجز المالي الذي صاحب الانخفاض في أسعار النفط، منها مشاريع بنى تحتية في بغداد وعدد من المحافظات.

إلا أن مراقبين يتساءلون عن سبب عدم الإعلان الرسمي من الحكومة العراقية عن الفائض الذي حققته خلال الأشهر الماضية، لا سيما وأن موازنة عام 2021 حددت سعر البرميل الواحد مقابل 45 دولاراً جرّاء تفشي جائحة كورونا وخفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار.

أسعار النفط لأعلى مستوى

وصلت أسعار النفط، خلال الفترة الأخيرة، إلى أعلى سعر منذ عام 2014. وكان وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار، قد توقع في وقت سابق من هذا الشهر أن تصل أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل في الربع الأول أو الثاني من العام الجاري مع انخفاض المخزونات العالمية إلى أدنى مستوى لها، مبيناً أن "ميزانية الحكومة العراقية لعام 2022 يجب أن تستند إلى سعر نفط يتراوح بين 55 و60 دولاراً، لا سيما وأن متوسط الصادرات سيبلغ 3.4 ملايين برميل يومياً بما في ذلك من إقليم كردستان شمال العراق".

وبحسب أكثر من مسؤول حكومي تواصل معهم "العربي الجديد"، فإن "الحكومة العراقية حققت عوائد مالية إضافية تصل إلى أكثر من مليار دولار في الشهر الواحد عن بيع النفط، خلال الأشهر الماضية، بمعدل تصدير نحو 3.5 ملايين برميل يوميا.

فرصة مهمة

وقال مسؤول عراقي في وزارة المالية لـ"العربي الجديد"، طالبا عدم ذكر اسمه إن "الارتفاع الحالي في أسعار النفط فرصة مهمة للعراق، حيث ألغى خطط الاقتراض الخارجي بشكل كامل، كما رفع من احتياطي البنك المركزي العراقي إلى نحو 65 مليار دولار، مقارنة بنحو 56 مليار دولار قبل أقل من عام من الآن".

وأضاف أن "هناك مساحة مهمة للعراق للتحرك حاليا خاصة بعد إنهاء ملف الديون الكويتية والتي ستوفر نحو ملياري دولار سنويا كانت تذهب من الموازنة لتلك الديون، ومع ارتفاع سعر النفط فإن العراق سيتجه الى مشاريع بنى تحتية متوقفة بالتأكيد".

وأكد أن "وزارة المالية العراقية تستعد لإعلان حجم هذا الفائض بشكل دقيق خلال الأسابيع المقبلة، لا سيما وأن هذا الارتفاع أنهى وجود العجز في الميزانية السابقة إضافة إلى ميزانية 2022، وليس فقط النفط هو من ساعد في ذلك، بل إن خفض قيمة الدينار مقابل الدولار أدى إلى تغذية الخزينة التي عانت من عجز خلال فترة تفشي "كورونا" وتراجع أسعار النفط".

وتحدث عن أن "الارتفاع يفرض علينا وضع خطط للاستفادة الفعلية من هذه الوفرة المالية، وعدم تجاهل خطط تعظيم الموارد غير النفطية مثل الجمارك والزراعة والصناعة وغيرها".

انتعاش الميزانية

من جهته، أشار عضو البرلمان العراقي ماجد شنكالي، إلى أن "ارتفاع أسعار النفط ستنعش الميزانية المقبلة، لا سيما وأن ذلك سيساهم بسد العجز بشكل جيد"، معتبراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الأشهر الماضية ارتفع سعر النفط إلى أكثر من 70 دولاراً للبرميل الواحد، وحالياً تجاوز 90 دولاراً، وهذا الفائض محفوظ لدى البنك المركزي، مع العلم أنه في السابق كان يتحول إلى ميزانيات تكميلية، لكن حالياً الوضع مختلف".

وأكمل أن "من واجب البرلمان العراقي أن يخاطب الحكومة ووزارة المالية لمعرفة الأرقام الخاصة بالإيرادات العراقية ومقارنتها بحجم الإنفاق الفعلي، وهناك بعض النواب يسعون بهذا الاتجاه رغم أن البرلمان مشغول حالياً بقضية تسمية رئيسي الجمهورية والوزراء، من أجل مفاتحة الجهات ذات العلاقة".

وأوضح أن "الميزانية السابقة كان مخططا لها وفق أرقام محددة، لكن بعد مرور أكثر من شهرين على إقرارها تبدل الوضع بالكامل وارتفع سعر النفط، ما يعني أن هناك زيادة في الإيرادات مقارنة بالنفقات، وبطبيعة الحال فإن الفائض الذي توصل إليه العراق من صعود النفط، سيدخل حالة التدوير لموازنة 2022".

أما الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم، فقد لفتت إلى أن "هناك صمتا حكوميا غريبا تجاه إيضاح مسألة الفوائض التي حصل عليها العراق من ارتفاع أسعار النفط، إذ إنها تواصل الارتفاع منذ منتصف السنة الماضية، لكن البرلمان العراقي، وهو المسؤول عن مراقبة الحكومة، لم يتابع ولم يتحدث عن هذه الأموال، ناهيك عن صمت ديوان الرقابة المالية وهو المسؤول عن إصدار الحسابات الختامية". وأضافت: مع العلم أنه كان من المفترض أن يقوم ديوان الرقابة بإصدار البيانات الخاصة بالأموال نهاية العام الماضي، متوقعة في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "هناك إخفاءً متعمداً للحسابات الختامية، من قبل جهات لا تريد أن تعترف بآلية الاحتفاظ هذه الأموال، مع العلم وزارة المالية هي المسؤولة عنه".

ارتفاع الإيرادات المالية

بدوره، رأى الباحث الاقتصادي بسام رعد، أن "موازنة عام 2021 بنيت على أساس متوسط سعر 45 دولارا للبرميل وبعجز تخطيطي يبلغ 28 تريليون دينار وهي موازنة مثقلة بالأساس بنفقات غير نمطية، منها خدمة الدين الخارجي والداخلي والمنح والإعانات، وكما هو معروف فإن هذه النفقات غير النمطية باتت سمة هيكلية للاقتصاد العراقي الريعي حيث تعتمد الدولة في إيراداتها العامة على مصدر أساس وهو الإيرادات النفطية".

وأردف في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "البيانات أظهرت أن مجمل الإيرادات النفطية لعام 2021 بلغ 75 مليار دولار، أي ما يعادل حوالي 110 تريليونات دينار كما بلغ متوسط سعر برميل النفط 68.5 دولارا لكل برميل، في حين كان سعر تعادل الموازنة تقريبا 70 دولارا للبرميل حتى تتساوى الإيرادات مع النفقات، وبما أن كفاءة الصرف في الموازنة لا تتجاوز 80 بالمائة عما هو مخطط لها من نفقات، فعليه، إن موازنة العام المنتهي تبدو أقرب إلى التوازن مع تحقيق فائض مالي بسيط، لكن يبقى الحساب الختامي هو ما يعكس المركز المالي سواء أكان سالباً (عجز) أو موجباً (فائض)، وأن تحقق الفائض يعني أن يُصرف على المشاريع الاستثمارية المدرة للدخل والتي تساهم في تحقيق التنويع الاقتصادي".

واستنادا لأرقام وكالة إدارة الطاقة الأميركية فإن العراق يمتلك احتياطاً نفطياً يبلغ نحو 145 مليار برميل، ما يعادل 17 في المائة من احتياطي الشرق الأوسط، و8 في المائة من الاحتياطي العالمي، وهو خامس أكبر احتياطي عالمي. لكن أرقام الحكومة العراقية تشير إلى امتلاكها احتياطاً مؤكداً يبلغ 153 مليار برميل.

المساهمون