إنشاء أكبر منطقة تجارة حرة... تضم اقتصادات حجمها 26 تريليون دولار

إنشاء أكبر منطقة تجارة حرة... تضم اقتصادات حجمها 26 تريليون دولار

16 نوفمبر 2020
يمنح الاتفاق الرئيس الصيني شي دفعة لتنفيذ استراتيجية الحزام والطريق
+ الخط -

بينما يخيم الانقسام والفوضى على المشهد السياسي في الولايات المتحدة، تواصل الصين تمددها التجاري والاقتصادي في آسيا عبر التوقيع على أكبر منطقة تجارة حرة في العالم. إذ وقّعت 15 دولة من منطقة آسيا والمحيط الهادئ أمس الأحد، على أكبر اتفاق للتجارة الحرة على مستوى العالم، يشمل ثلث الاقتصاد العالمي ويبلغ حجمها نحو 26.2 ترليون دولار وفقاً لبيانات يابانية. 

وتعد منطقة التجارة الحرة انتصاراً للصين في السباق الجاري بين بكين وواشنطن على النفوذ الجيوسياسي في آسيا وبناء النظام العالمي الجديد، كما يعد توقيع الاتفاقية هزيمة لمشروع الحماية التجارية الذي تبناه الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال الأربع سنوات الماضية.
وجاءت اتفاقية "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" بعد ثماني سنوات من المفاوضات، وتشارك فيها الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، إضافة إلى دول النمور الآسيوية. ومن المرجح أن تؤدي هذه الاتفاقية إلى تعزيز دور بكين المهيمن في المنطقة في مواجهة الولايات المتحدة، التي لم تشارك في الاتفاقية.
ويأتي الاتفاق على حساب التحالفات التجارية والاقتصادية التي كانت تخطط لها الولايات المتحدة في آسيا مع الدول الديمقراطية في المنطقة ضد الصين والتي ستضم كلاً من الهند واليابان وكوريا الجنوبية ودول النمور الآسيوية وأستراليا. 
ويعيب الخبير في الشؤون الآسيوية، سابيستيان سترانجو، على الولايات المتحدة اهتمامها بالنزاعات التجارية الصغيرة مع حلفائها في آسيا وإهمالها الهدف الرئيسي في صراعها مع التنين الصيني والمتمثل في محاصرة تمدده التجاري والاقتصادي. 
وغابت عن مشروع الشراكة الجديد كل من الولايات المتحدة والهند وروسيا، كما شمل الاتفاق جميع دول النمور الآسيوية التي تعتمد في حمايتها الأمنية على واشنطن. 

ووصف وزير التجارة اليابانية، هيروشي كاجياما الاتفاق بأنه سيكون في صالح بلاده. وقال في تعليقات نقلتها صحيفة "جابان تايمز" الصادرة بالإنكليزية في طوكيو، "سيكون للاتفاق تأثير كبير على تحسن الصادرات اليابانية في آسيا وسيزيد من كفاءة سلاسل الإمداد". وتسمح الاتفاقية بإلغاء91% من الجمارك المفروضة على السلع والخدمات بين الدول الأعضاء في منطقة التجارة الحرة. 
وظهر مشروع منطقة التجارة الحرة الذي اقترحته الصين في وقت متزامن مع مشروع الشراكة عبر المحيط الهادئ في العام 2012، لكن المفاوضات استغرقت وقتاً طويلاً. 
ووفق رئيس قسم جنوب شرق آسيا في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، دميتري موسياكوف، فإن توقيع الاتفاقية يعد انتصاراً للمشروع الصيني".
ويضم اتفاق "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" عشر دول في جنوب شرق آسيا، إلى جانب الصين واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا وأستراليا، وتبلغ حصة الدول الموقعة على المشروع نحو 30% من إجمالي الناتج الداخلي العالمي، كما يشمل نحو 2.2 مليار مستهلك. وتم توقيع الاتفاق، الذي عُرض أول مرة في 2012، في ختام قمة لقادة دول جنوب شرق آسيا التي تعاني من جائحة كورونا. 
وقال رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ بعد مراسم التوقيع في جلسة افتراضية، "في ظل الظروف العالمية الحالية، يوفر التوقيع على اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة بصيص نور وأمل". وأضاف "يظهر بوضوح أن التعددية هي الطريق الأمثل، ويمثل الاتجاه الصحيح لتقدم الاقتصاد العالمي والبشرية".
وينص الاتفاق الذي تقوده الصين على خفض الرسوم الجمركية وفتح تجارة الخدمات، ويفتح الباب أمام المنتجات الصناعية الرخيصة لغزو أسواق آسيا من دون كوابح جمركية. 
وحسب وكالة فرانس برس، قال خبير التجارة لدى كلية الأعمال التابعة لجامعة سنغافورة الوطنية ألكساندر كابري، إن الاتفاق "يرسّخ طموحات الصين الجيوسياسية الإقليمية الأوسع حيال مبادرة الحزام والطريق"، في إشارة إلى مشروع بكين الاستثماري الهادف إلى توسيع نفوذ الصين عالمياً. 
وتواجه العديد من الدول الموقعة على الاتفاق تفشياً واسعاً لفيروس كورونا المستجد، وتأمل في أن يساهم اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة في التخفيف من وطأة الكلفة الاقتصادية الكبيرة للوباء. وتعرّضت إندونيسيا أخيراً ولأول ركود تشهده منذ عقدين، بينما انكمش الاقتصاد الفيليبيني بنسبة 11.5 في المئة في الفصل الماضي مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. 

من جانبها قالت ديبورا إيلمز المديرة التنفيذية للمركز التجاري الآسيوي، وهو معهد استشارات مقره سنغافورة، "ذكّر كوفيد المنطقة بالسبب الذي يجعل من التجارة أمراً مهماً في وقت تبدو فيه الحكومات متحمّسة أكثر من أي وقت مضى لتحقيق نمو اقتصادي إيجابي". وتابعت أنه بإمكان الاتفاق "أن يساهم في تحقيق ذلك". 
وانسحبت الهند من الاتفاق العام الماضي جرّاء قلقها حيال المنتجات الصينية زهيدة الثمن التي سيفسح المجال لدخولها إلى البلاد، وكانت نيودلهي الغائب الأبرز خلال مراسم التوقيع الافتراضي الذي جرى أمس الأحد.
وعلى الرغم من غياب الولايات المتحدة عن الاتفاق، لكن شركاتها متعددة الجنسيات ستستفيد من الاتفاق بسبب وجودها في الدول الأعضاء في اتفاقية الشراكة التجارية. 
ومن شأن الاتفاق أن يخفض التكاليف ويسهّل الأمور على الشركات عبر السماح لها بتصدير المنتجات إلى أي بلد ضمن التكتل دون الحاجة للإيفاء بالمتطلبات المنفصلة لكل دولة. ويتناول الاتفاق واحداً من أكثر المواضيع حساسية وهو موضوع الملكية الفكرية، لكنه لا يشمل حماية البيئة وحقوق العمال.

المساهمون