أميركا تهدد أوبك وسط مخاطر على مصالحها الحيوية

أميركا تهدد أوبك وسط مخاطر على مصالحها الحيوية

10 مارس 2023
مقر منظمة أوبك في فيينا (Getty)
+ الخط -

في خطوة جديدة للضغط على منظمة "أوبك" والدول المتحالفة معها، أشهرت الولايات المتحدة سيف"نوبك" المسلط على منظمة الدول المصدر للنفط منذ أكثر من 20 عاماً، والذي يستهدف مقاضاة دول "أوبك" في المحاكم الأميركية، بحجة خرقها قانون الاحتكار.

وأعادت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، مساء الأربعاء، طرح مشروع "نوبك" الذي يعاقب منظمة البلدان المصدرة للنفط، على احتكار الإنتاج وتحديد أسعاره، عبر التحكم في كمية إمدادات الخامات البترولية إلى أسواق العالم. وطرح مشروع القانون السناتور الجمهوري تشاك غراسلي والديمقراطي إيمي كلوبوشار وآخرون في اللجنة القضائية بالكونغرس.
وإذا أقرت اللجنة القضائية ومجلسا الكونغرس مشروع القانون ووقّع عليه الرئيس جو بايدن، فإن "نوبك" سيغير قانون مكافحة الاحتكار في أميركا ويلغي تبعاً لذلك قانون الحصانة السيادية التي كانت تحمي أعضاء "أوبك+" وشركات النفط العالمية المملوكة للدول البترولية من الدعاوى القضائية المتعلقة بتهم احتكار الأسعار.
وحتى الآن، فشلت عدة محاولات لتمرير مشروع القانون الذي طرح أكثر من مرة خلال عقدين. وكانت اللجنة القضائية قد أقرت مشروع القانون بتصويت 17 عضوا لصالحه وامتناع 4 أعضاء في العام الماضي، خلال فترة التوتر العميق بين الرياض وواشنطن بشأن نقص الإمدادات النفطية في العالم وارتفاع أسعار الوقود في الولايات المتحدة، وبالتالي ارتفاع معدل التضخم المقلق للرئيس بايدن.
وزاد التوتر بين واشنطن والرياض وقتها، خاصة بعد أن طلبت الإدارة الأميركية من السعودية زيادة الإنتاج في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولكن الرياض لم ترفض فقط، ولكنها وافقت من خلال تحالف "أوبك+" بقيادتها هي وروسيا على خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً.
وقال النائب تشاك غراسلي، أحد مؤيدي صناعة وقود الإيثانول القائمة على الذرة الصفراء: "تحتاج منظمة النفط والدول الأعضاء إلى معرفة أننا ملتزمون بوقف سلوكهم المناهض للمنافسة". ومشروع القانون في حال إجازته ربما ينتهي بمطالبة "أوبك+" بتعويضات بمليارات الدولارات.
لكن محللين يرون أنه في المقابل سيكون للقانون تداعيات واسعة النطاق على الخريطة الجيوسياسية في العالم حال إجازته، في وقت يتصارع فيه تحالف "موسكو ـ بكين" مع واشنطن على اقتسام النفوذ الجيوسياسي وإعادة صياغة "النظام العالمي" القائم حالياً على الهيمنة الأميركية، كما أن صناعة الدفاع الأميركية التي لديها مصالح واسعة في السعودية ربما تخسرها لصالح روسيا والصين. وكذلك فإن أسواق الطاقة في العالم ربما تشهد هزة كبيرة في الأسعار تقوّض أهداف واشنطن الرامية إلى محاصرة التضخم.

وحسب وكالة بلومبيرغ الأميركية، لمح البيت الأبيض العام الماضي وسط ارتفاع أسعار البنزين والنفط وقرار "أوبك+" بخفض سقف الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، إلى أنه سيدعم مشروع قانون "نوبك". وقال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن مشروع القانون مطروح على الطاولة في إشارة إنذار إلى "أوبك+". ولكن المشروع وجد معارضة من أعضاء آخرين ولم يطرح للتصويت في الكونغرس.

في هذا الشأن، قال رئيس مجموعة "رابيديان إنرجي غروب" والمسؤول السابق في البيت الأبيض، بوب مكنالي، في تعليقات نقلتها وكالة بلومبيرغ: "إن إحياء مشروع قانون "نوبك" علامة على اقتراب الربيع في واشنطن". وذلك في إشارة إلى موسم الربيع الذي يتزايد فيه السفر، وبالتالي الطلب على الوقود، وربما تزيد أسعار الغازولين وترفع معدل التضخم الذي يسعى مجلس الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي) والإدارة الأميركية إلى خفضه بأي ثمن قبل انتخابات الرئاسة المقبلة العام المقبل 2024. ولكن مكنالي أضاف "نظراً لأن الفكرة تتمتع بدعم من الحزبين لا يمكنك استبعاد أن تمر يوماً ما وتصبح قانوناً".
وأشار محللون إلى أن مجرد احتمالات اتخاذ مثل هذا الإجراء قد يؤدي إلى عمليات بيع قلقة للنفط الخام في أسواق المال العالمية. ورغم أن منظمة "أوبك" لم تحدد الأسعار منذ الثمانينيات، ولكن أعضاءها يحددون بشكل دوري في اجتماعاتهم زيادة الإنتاج أو خفضه.
في ذات الصدد، قال السناتور الجمهوري تشاك غراسلي، الذي قدم مشروع القانون، الأربعاء الماضي، في بيان: "لقد رأينا مراراً وتكراراً كيف تواطأت أوبك لتحديد أسعار النفط العالمية، مما أدى إلى حالة من عدم اليقين في أسواق الطاقة وارتفاع الأسعار للمستهلكين في جميع أنحاء العالم". وأضاف "يجب على منظمة أوبك والدول الأعضاء فيها أن يعرفوا أننا ملتزمون بوقف هذا السلوك المناهض للمنافسة".

مخاطر على أميركا

من جانبها، تقول "أوبك" إنها لا تحتكر أسعار النفط ولا حتى إنتاجه في العالم، وتدافع عن حجتها بتحليل لمعهد بيكر الأميركي للطاقة في هيوستن أشار فيه إلى أن "وظيفة منظمة أوبك ليست تعظيم الأرباح أو حتى أسعار النفط، ولكنها تستهدف ضمان استقرار أسواق النفط من أجل تأمين إمدادات نفطية فعالة واقتصادية ومنتظمة للمستهلكين، وفي ذات الوقت تحقق دخلاً ثابتاً للمنتجين وعائدا عادلا على رأس المال لأولئك الذين يستثمرون في صناعة البترول".
ونشأت الأهداف الاستراتيجية التي تركز على الاستقرار في أسواق النفط العالمية لدى "أوبك" في السبعينيات بعد الضغوط التي تعرضت لها بسبب الحظر النفطي في عام 1973 وأدى إلى اضطرابات واسعة في الاقتصادات الغربية وفتح الطريق أمام الإمدادات البديلة لخامات المنظمة من مواقع أخرى مثل بحر الشمال، وبالتالي خفض حصة "أوبك" في السوق العالمي.
وحسب دراسة معهد بيكر للطاقة، تبنت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، استراتيجيات عملية طويلة المدى تهدف إلى استقرار الأسعار النفطية كرد على الضغوط الغربية.
ومن بين هذه الردود الزيادات في إنتاج "أوبك" في أوائل العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. وعلى سبيل المثال، عملت "أوبك" على زيادة الإنتاج وتعويض خسائر أسواق النفط من الغزو الأميركي للعراق، وتمكينها من تمرير العقوبات على تصدير النفط الفنزويلي والإيراني دون أزمة، وبالتالي الحفاظ على أسعار النفط في نطاق مقبول للمستهلكين.

في ذات الشأن، يرى تحليل في نشرة "أويل برايس" الأميركية المتخصصة في الطاقة، أن من أكبر مخاطر إجازة مشروع قانون "نوبك"، على واشنطن أنه ربما يدفع دول "أوبك" إلى التخلي عن تسعير النفط بالدولار، أو ما يطلق عليه "البترودولار".
وكانت السعودية قد هددت في عام 2019 ببيع نفطها بعملات أخرى غير الدولار. ومثل هذا التهديد ستكون له تداعيات خطيرة على مكانة الدولار في "نظام النقد العالمي" وتراجع النفوذ المالي والنقدي لأميركا الذي تستخدمه "قوة ناعمة" في تمرير سياستها في العالم دون اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية. ويهيمن الدولار على 60% تقريباً من احتياطات البنوك المركزية، حسب بيانات صندوق النقد الدولي.
وبالتالي، ترى نشرة "أويل برايس"، أن واشنطن في حال إجازتها للمشروع ربما تواجه هزة مالية كبيرة، حيث إن أكثر من 100 مليون برميل يستهلكها العالم يومياً يباع نحو 80% منها بالدولار. وهذا ما يجعل الولايات المتحدة حريصة على عدم إجازة المشروع. كما أن إجازة المشروع سيعني عملياً دفع دول "أوبك" في أحضان روسيا والصين، في وقت تحتدم فيه الحرب الروسية على أوكرانيا، وربما يقوض تمرير القانون العقوبات الغربية على روسيا ويضعف فعالية محاصرة روسيا اقتصادياً ومالياً في غياب هيمنة الدولار على التجارة والتسويات الدولية.
ولاحظ محللون أن الصين باتت أكبر مستورد للنفط في العالم، بينما تراجع دور أميركا في استيراد خامات "أوبك" سيغري بكين باستمالة دول "أوبك" بعيداً عن الدولار. وحسب تقارير، تسعى بكين منذ العام الماضي للضغط على دول "أوبك"، وفي مقدمتها السعودية لاستخدام اليوان في تسوية وارداتها النفطية من دول الخليج والسعودية. وبالتالي، في حال إجازة مشروع قانون "نوبك" فإن دور اليوان في النظام النقدي العالمي سيقوى على حساب الدولار ويعزز تلقائياً مكانة الصين في النظام العالمي. والصين تمتاز بقوة تجارية وتصديرية كبيرة مقارنة بالولايات المتحدة.