أسواق غزة تكتوي بالحصار: المواسم لم تعد مجدية للتجار

أسواق غزة تكتوي بالحصار: المواسم لم تعد مجدية للتجار

16 يوليو 2022
ركود حاد يكبّد التجار خسائر باهظة (مصطفى حسونة/ الأناضول)
+ الخط -

لم تعد المواسم التجارية السنوية والفصلية من الروافد الأساسية لتحريك العجلة الاقتصادية في أسواق قطاع غزة، إذ تأثرت بفعل التدهور المالي والمعيشي، والذي بات يؤثر في مختلف نواحي الحياة.

وألقت الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تسبب فيها الحصار الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ ستة عشر عاماً، بظلالها في الأسواق، مُسببة حالة من الركود في الحركة الشرائية خلال المواسم، بفعل تأثر السيولة النقدية، المرتبطة بدخل المواطنين، وانعدام فرص العمل.

وكان التُجار يراهنون في السابق على المواسم العديدة في تحريك العملية التجارية المتأثرة بفعل الأوضاع العامة، ومنها موسم شهر رمضان، ومواسم الأعياد الرئيسية والأضاحي والمدارس، إلى جانب بعض المُناسبات الاجتماعية السنوية، مثل عيد الأم، والتي يتجهز لها التُجار لزيادة الإقبال على الهدايا، علاوة على المواسم الزراعية، الخاصة ببعض الفواكه والخضار والمحاصيل العديدة، مثل محصول الزيت والزيتون ومحاصيل الحمضيات المتنوعة.

تدهور القدرة الشرائية

عكست المواسم الأخيرة التي مر بها تجار القطاع التدهور الواضح في الإقبال على الشراء، وذلك بفعل تواصل ارتفاع الغلاء محليًا وعالميًا، في ظلّ تأثر الرواتب وصرف مستحقات المواطنين، إذ جاء موسم رمضان وتلاه موسم عيد الفطر، والذي قال عنه التجار إنّه "من أسوأ المواسم الاقتصادية"، وتلاهما موسم الأضاحي، والذي تأثرت فيه النسبة لتصل إلى النصف، مُقارنة بالأعوام السابقة، وفق مُطلعين.

ويوضح أستاذ علم الاقتصاد في جامعة الأزهر معين رجب، أنّ المواسم من السُنن الاقتصادية، والتي تتغير وفق الموسم وحسب المناسبة، وتتمتع بمزايا عديدة، تتمثل في كونها تأخذ أنماطاً مختلفة، اعتاد عليها المواطن والمستهلك والتاجر والمستثمر والمستورد، وارتبطت بأنّ الحياة بحاجة إلى تغيرات ترتبط بتغير الظروف من موسم لآخر.

ويبين رجب لـ "العربي الجديد" أنّ المواسم عبر الزمن تعتبر ذات قيمة اقتصادية عالية، في مردودها، ويشعر فيها الجميع بالتغيير، إلّا أنّها تختلف في الواقع الفلسطيني، إذ تأثرت بشكل تدريجي ومتدحرج بسبب وجود الاحتلال والحصار والإغلاق والانقسام، وهي أسباب أدت بمجملها إلى ارتفاع نسب الفقر والبطالة، ما تسبب بمحدودية القدرة على الشراء، بفعل عدم وجود الدخل الكافي.

ويشير رجب إلى وجود علاقة طردية بين تأثر توفر السيولة النقدية وبين المعروضات في السوق، مضيفاً: "في حال عدم خلق اختراق حقيقي للأزمات والمشاكل التي تعاني منها غزة، والمرتبطة بالاحتلال والإغلاق، ستتواصل زيادة نسب الفقر والبطالة، وستخلق تدهورا أقسى في الأوضاع الاقتصادية بشكل عام، وفي مختلف المواسم بشكل خاص.

ويوضح أنّ دور المواسم لم ينته في قطاع غزة حتى اللحظة، إلّا أنّه تراجع بفعل الأوضاع الاقتصادية العامة، المرتبطة بوجود الوظيفة والدخل المناسب. ويتابع: "في حال استمرار الوضع ستفقد المواسم بريقها وانتظار التجار لها، وستكون النتائج سلبية إذ سيتراجع دورها إلى أن تصبح رمزية" مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة إنهاء الانقسام الذي يحمل في طياته العديد من التداعيات التي أثرت على مختلف نواحي الحياة، وفي مقدمتها الناحية الاقتصادية.

تكدس الأسواق بالسلع

تتكدس أسواق قطاع غزة بمختلف المواد الغذائية والبضائع المتنوعة، فيما يظهر فيها تباين واضح في الأسعار، إذ تُعرض أصناف بأسعار مرتفعة، وتتضمن سلعاً أساسية، مثل الطحين والزيت والسكر، فيما يجري عرض بضائع أخرى ضمن بأسعار زهيدة، إلا أنها لا تُغري المواطنين، بفعل الأوضاع الاقتصادية المُتردية.

ولا تقتصر تجهيزات المواسم وتكدس البضائع على الأسواق والمواد الغذائية فقط، إذ تشمل محال بيع الملابس، وكذلك محال اللعب والزينة والمستلزمات المنزلية والمطبخية، إذ تأثرت أيضاً بفعل الأزمات الاقتصادية العامة، والتي أدت إلى عزوف المواطنين عن الشراء، على اعتبار أنّها مُكملات ومستلزمات غير أساسية، على الرغم من أهميتها في المُناسبات المختلفة.

أسواق
التحديثات الحية

من جانبه، يبين الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر أن الوضع الاقتصادي هو المعيار الحقيقي للأسواق والحالة الشرائية خلال المواسم، التي لا علاقة لها بأي أمر اجتماعي، إذ إنّ الأولوية في ظل ضعف السيولة والقدرة الشرائية تكمن في ترتيب الاحتياجات، والتي تبدأ بالطعام والمسكن.

ويوضح أبو قمر لـ "العربي الجديد" أنّ الواقع الفلسطيني المتأزم يمر في العديد من المواسم، ومنها موسم رمضان وما يحتويه من طقوس رمضانية وزينة وأكلات معينة، كذلك مواسم الأعياد والمدارس وكسوة الملابس والزينة، إلى جانب المواسم الزراعية مثل مواسم الزيت والزيتون والفراولة والحمضيات وغيرها، لافتًا إلى أن الاهتمام في المواسم ضعف نتيجة الوضع الاقتصادي وتهاوي القدرة الشرائية لدى المواطنين بفعل تأثرهم بالتدهور المادي والاقتصادي.

ويشير أبو قمر إلى أنّ التدهور الحاصل بفعل الأوضاع العامة وحالة الغلاء والتي وصلت إلى نسبة 33% تقريباً، يأتي في ظل مراوحة الرواتب مكانها، من دون أيّ زيادات نتيجة حالة الغلاء، ما يخلق فجوة كبيرة، تتسبب في تعميق الأزمة، وزيادة تدهور المواسم عاما بعد آخر. ويشدد على أنّ ارتفاع الأسعار في ظل تفاقم الغلاء العامة يستوجب ارتفاع الرواتب وفق نسبة الغلاء، بناء على بند بدل غلاء المعيشة، إلى جانب ضرورة صرف شيكات وزارة التضامن الاجتماعي، وصرف علاوات الموظفين، بهدف ايجاد حالة من التوازن التي تضمن استمرار عمليات البيع والشراء بشكل طبيعي، وضمان انتعاش المواسم.

ويحذر أبو قمر من انتكاسة حقيقية في المواسم المقبلة، في حال استمرار التضخم والغلاء، إذ ستزيد نسبة امتصاص السيولة وسحب الأموال بطريقة إجبارية في حال عدم تدارك الأمر، وإيجاد تغيير حقيقي في دفع الرواتب وصرف مستحقات المواطنين، بما يتماشى مع الارتفاع والتضخم.

ويتواصل الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 16عاماً، وقد خلقت تلك الأعوام أزمات اقتصادية حقيقية، أثرت على نسب الفقر التي تخطت حاجز 80% ونسب البطالة التي وصلت إلى ما يزيد على 60%، ما أثر على العجلة الاقتصادية بشكل عام، وعلى الحركة الشرائية في الأسواق، وتحديداً في المواسم السنوية والمُناسبات.

المساهمون