أزمة المناخ في تونس: انعكاسات على النمو الاقتصادي ومعدل البطالة

أزمة المناخ في تونس: انعكاسات على النمو الاقتصادي ومعدل البطالة

19 اغسطس 2023
مزارعات تونسيات في حقل فراولة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

تسببت أزمة المناخ وتراجع الطلب الداخلي في هبوط مستوى نمو اقتصاد تونس خلال الربع الثاني من العام الحالي، ما يزيد في انحسار سوق العمل، وفق ما يقول المتخصصون، ويرفع معدل البطالة بينما تعيش البلاد أزمة اقتصادية خانقة ونقصاً في التمويل مع تعثر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وكشفت أحدث البيانات الصادرة عن معهد الإحصاء الحكومي حول النمو الاقتصادي والبطالة الصادرة الأسبوع الحالي أن نمو النشاط الاقتصادي لم يتجاوز 0.6 في المائة خلال الربع الثاني من العام الحالي، وذلك مقارنة بالثلاثي المماثل في السنة الماضية، بينما صعدت نسبة البطالة إلى 15,6 في المائة خلال الفترة الممتدة ما بين أبريل/ نيسان ويوليو/ حزيران 2023 مقابل نسبة 15,3 في المائة مسجلة خلال الربع الأول من السنة الحالية.

وقال المعهد في نشرته الدورية إن الناتج المحلي الإجمالي سجل نمواً سلبياً بنسبة -1,3 في المائة، بينما كان قد ارتفع بنسبة 0,7 في المائة خلال الثلاثية السابقة. وعلى هذا الأساس، يكون الاقتصاد التونسي قد سجل نمواً بـ1,2 في المائة خلال النصف الأول من السنة الحالية، في حين لم يدرك بعد حجم الناتج المحلي الإجمالي مستواه المسجل في نهاية عام 2019، أي قبيل الأزمة الصحية.

وفسّر معهد الإحصاء أسباب النمو الضعيف للاقتصاد بتأثيرات الظروف المناخية على أداء النشاط الزراعي وتداعيات ذلك على منحى نمو الاقتصاد، مرجحاً أن تمتد هذه التداعيات إلى نهاية العام الحالي.

الجفاف وأزمة الغذاء

وسجلت تونس هذا العام نقصاً فادحاً في التساقطات المطرية، كما تواصل الجفاف للعام الثالث على التوالي، ما تسبب في تلف ما يزيد عن 80 في المائة من محاصيل الحبوب وتسجيل خسائر في مختلف منظومات إنتاج الغذاء.

وفي وقت سابق توقع معهد الإحصاء تراجع النمو الاقتصادي للبلاد بعد بروز مؤشرات على انخفاض أداء الأنشطة الحيوية، حيث تمت مراجعة نسبة النمو خلال الربع الأول من سنة 2023 من 2,1 في المائة إلى 1,9 في المائة استناداً إلى تقديرات إنتاج الموسم الفلاحي.

ويؤثر ضعف النمو الاقتصادي على سوق العمل التونسية، إذ لم تتمكن البلاد من تحسين مستويات البطالة التي ارتفعت إلى 15.6 في المائة خلال الربع الثاني من العام مقابل نسبة بـ15,3 في المائة في الفترة ذاتها من سنة 2022، فيما قدرت نسبة البطالة في صفوف الشباب ممن تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 عاماً بـ38,1 في المائة.

وقال الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي إن تراجع أداء الاقتصاد المحلي وارتفاع نسب البطالة أمر متوقع بسبب ركود وانكماش يضرب القطاعات الحيوية، وضبابية الرؤية الاقتصادية للسلطة، فضلاً عن تضارب البرامج والسياسات بين رأسي السلطة التنفيذية المتمثلة في رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة.

وأفاد الشكندالي في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن حكومة نجلاء بودن المقالة لم تتمكن من الدفاع عن برنامجها ورؤيتها الاقتصادية كما فشلت في تعبئة موارد خارجية لفائدة الموازنة، ما تسبب في تراجع كل المؤشرات في غياب رسائل طمأنة للمستثمرين.

وتابع أن "ضعف النمو الاقتصادي وغياب الاستثمار ينتج عنهما ارتفاع في نسبة البطالة وانعدام موارد الرزق وزيادة في نسبة التضخم، بالتالي تضعف القدرة الشرائية ويقفز عدد الفقراء".

ودعا الشكندالي السلطة إلى توحيد الخطاب والرؤية بشأن البرنامج الاقتصادي المزمع تطبيقه في المرحلة المقبلة والاتجاه نحو سياسات خالقة للثروة، فضلاً عن تغيير السياسة الضريبية والعمل على خفض نسبة الفائدة واستعادة عافية الدينار التونسي وخفض نسبة التضخم من أجل الحفاظ على ما تبقى من الطبقة المتوسطة ولكي لا تزداد رقعة الفقر اتساعاً في البلاد.

مخاطر مالية

وبسبب نقص الموارد واتساع الفقر والبطالة سجل الطلب الداخلي المتكوّن من نفقات الاستهلاك وتكوين رأس المال الخام، تطوراً ضعيفاً، بنسبة سنوية قُدِّرَت بـ 0,2 في المائة، ومساهماً إيجابياً بـ 0,25 نقطة مئوية في نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي بحسب بيانات معهد الإحصاء.

وقال الخبير المالي خالد النوري إن كل القطاعات الاقتصادية في تونس باتت معرضة للمخاطر المالية الناجمة عن كوارث طبيعية وجموح المناخ، مشيراً إلى تحذير تقرير نشرته مؤخراً وزارة المالية جرى إعداده بالتعاون مع البنك الدولي بعنوان "ملخص عن قاعدة بيانات التعرض المالي لتونس للكوارث الطبيعية" من إمكانية تتسبب الكوارث الطبيعية بتوقف الإنتاج وتلف الممتلكات وتعطيل سلسلة التوريد وتكبد خسائر مالية كبيرة.

وأفاد النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن التقرير كشف أن كلفة التعرض المالي للمخاطر الطبيعية في القطاع الصناعي تقدر بنحو 31.9 مليار دينار؛ أي نحو 10,6 مليارات دولار، مما يجعله عرضة للخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية. وتابع أن تونس مطالبة بوضع سياسات للحد من تأثيرات التحولات المناخية على أنشطتها الاقتصادية ومعالجة مواطن الهشاشة في القطاعات الحساسة ومنها الزراعة والسياحة والصناعة وهي القطاعات الأكثر خلقاً لفرص العمل وفق قوله.

الحلول والبدائل

وقال خبير الطاقة عماد الدرويش إن تونس من أكثر البلدان تعرضاً للتغيرات المناخية نظراً لموقعها الجغرافي واقتصادها المعتمد بشكل أساس على النشاط الزراعي، ما يجعل سكانها في مواجهة تداعيات هذه الأزمات.

وأفاد الدرويش في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن تقريراً لبرنامج الأمم المتحدة صادراً عام 2022 أكد أن تأثيرات التغيير المناخي يمكن أن تؤثر على 50 في المائة من السكان بتقلص الموارد المائية في أفق 2025. كما أشار الدرويش إلى توقع زيادة في درجات الحرارة في منطقة شمال أفريقيا بما بين 2 إلى 4 درجات في غضون عام 2050 ما ستكون له تبعات على كل الأنشطة الاقتصادية والمواد المائية المتاحة وحتى الصحة العامة.

ورأى الدرويش أن إجراءات التخفيف من تغييرات المناخ ممكنة، غير أن تطبيق الحلول يجب أن يكون سريعاً وفق تقديره. واقترح في هذا الصدد ضرورة الانطلاق سريعاً في جرد مصادر الغاز ذات الاحتباس الحراري لكي يكون الجرد دقيقاً وشاملاً لكل مصادر الانبعاثات بشكل مباشر أو غير مباشر.

وأضاف أن تونس مطالبة بالانتقال نحو الطاقة المستدامة واستغلال الإمكانيات الطبيعية على غرار الشمس والرياح من أجل التحول نحو مثال اقتصادي منخفض الانبعاثات الكربونية إلى جانب تطوير البحث العلمي والمشاريع في مجال الهيدروجين الأخضر كمصدر للطاقة النظيفة.

وتحدث خبير الطاقة أيضاً عن ضرورة تحويل الصناعات الملوثة تدريجيا إلى صناعات صديقة للبيئية في إطار خطة الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر إلى جانب سياسات متكاملة في مجال التصرف وتدوير النفايات. وكذا وضع استراتيجية لإحكام التصرف في الموارد المائية المتاحة وتفادي النقص الوشيك للمياه واعتماد تقنيات حديثة لتوفير مياه الري.

المساهمون