آباء الأزمات لا أولادها

آباء الأزمات لا أولادها

26 مارس 2023
تصاعد أزمة الأمن الغذائي (Getty)
+ الخط -

لن نقيس لقاء وزراء الزراعة لدول جوار سورية اليوم، على مسطرة نتائج اجتماع الأردن المخصص للملف السوري "حوار عربي مع حكومة الأسد لإيجاد حل للأزمة ومعالجتها سياسياً وأمنياً واجتماعياً" الذي أختتم أول من أمس، من دون أي جديد يذكر، سوى تكرار المكرر وتأكيد المؤكد، إذ ثمة خلاف بين المقارن والمقارن به، لطالما الأول سياسي مباشر، بدهياً أن يمنى بالفشل، لأنه يسعى لتجريب المجرّب، والتعويل على جنوح نظام الأسد للسلم، وتخفيف قبضة الاستئثار بالسلطة، ولو على مستوى التخلي عن قائمة "حزب البعث" بانتخابات المجالس المحلية.

في حين الاجتماع الذي تستضيفه دمشق، السياسة فيه غير مباشرة، أي تطبيع وكسر حصار محمّل على الزراعة أو الاقتصاد والأمن الغذائي، ببلدان تتشاطر الخيبة، وتراجع الإنتاج، وتبديد احتياطاتها من العملات الأجنبية على استيراد قوت شعوبها، رغم ما فيها من ظروف وشروط كفاية الإنتاج الزراعي، إن لم نقل تفوقه، وتصديره للخارج.

فإن استثنينا لبنان والأردن، لضيق المساحات الزراعية، أو طبيعة البلاد الجغرافية، يكفي أن نشير إلى تراجع العراق بمساحة زراعة القمح، كأكثر المنتجات حاجة واستيراداً من قبل الدول المجتمعة اليوم، من 5 ملايين دونم إلى أقل من 2.5 مليون دونم لهذه السنة، وتراجع الإنتاج من نحو 6 ملايين طن قبل سنوات إلى أقل من النصف الموسم الفائت، ما دفع الشركة العامة لتجارة الحبوب في وزارة الزراعة لتخصيص 638 مليون دولار، لشراء 1.3 مليون طن قمح لتغطية الاستهلاك المحلي ريثما يخرج الموسم المنتظر.

أما في سورية المستضيفة للوزراء اليوم، فالطامة أكبر وبكثير، فبلد أنتج أكثر من 5 ملايين طن، خلال فورة الإنتاج بتسعينيات القرن الماضي، واستقر إنتاجه على نحو 3.5 ملايين طن حتى عام 2011، يحار منذ سنوات بتأمين طحين الخبز، بعد تراجع الإنتاج لنحو مليون طن، واستيراده نيفا ومليوني طن سنوياً.

وربما الآمال على الموسم المقبل أقل، والمشهد سيكون أكثر عوزاً، ويشهد طوابير أمام الأفران، بعد تراجع المساحات المزروعة بالقمح بنحو 20% عن العام السابق، واقتصارها على 1249584 هكتاراً، منها 670586 هكتاراً بعلاً، أي مرهوناً خراجه بالهطول المطري.

قصارى القول: وفق ما رشح عن التقاء وزراء زراعة الأردن والعراق ولبنان وسورية بدمشق اليوم، فإن تعزيز التعاون الزراعي وتسهيل انسياب السلع الزراعية بين الدول الأربع، هو الهدف، وإيجاد الحلول الممكنة للأزمات الغذائية، والعمل مع المنظمات الدولية لدعم وتطوير الإنتاج الزراعي، هو الغاية.

مع ما يلزم من "توابل" ما بين الهدف المعلن والغاية المرجوة، من توحيد روزنامة زراعية مشتركة ضمن عنوان اللقاء الرباعي، أو كسر الحصار بانتظار التوسعة من دول عربية أخرى، بعد "التراخي السعودي"، وإعلان عودة فتح القنصلية، والتصميم الإماراتي على قيادة إعادة تدوير نظام بشار الأسد، ضمن عناوين غير معلنة.

نهاية القول وبالزراعة لا بالسياسة. هل سيتطرق الوزراء المجتمعون إلى أسباب تراجع الإنتاج الزراعي ببلاد زراعية بامتياز، بل لا تجيد غير العمل الزراعي التقليدي؟

بمعنى، ما آثار رفع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي، من بذار ومبيدات ووقود، على هجرة بعض الفلاحين أراضيهم بعد خسارة العمل الزراعي بواقع إلزام سعر رسمي لاستجرار الإنتاج، بسعر الكلفة أو دونها أحياناً؟

وما دور التخبّط وغياب التخطيط، بتوجه الفلاحين لمنتج محدد خلال الموسم، ما يسبب وفرة وكساداً وخسائر، لنرى الطلب الزائد على المنتج نفسه بالموسم التالي، بعد ابتعاد الفلاحين عن زراعته، كما جرى مع البصل هذا العام؟

وهل سيناقش المجتمعون سياسات حكوماتهم بتصدير بعض الفائض الزراعي، كما بسورية الأسد، لتحصيل الدولار بهدف سد عورة الخزينة، وإبقاء الشق الجاري بالموازنة على قيد التنفيذ، وتوزيع الأجور، وإلا تسد عورة الإنفاق بعد تضخم الأسعار وتهاوي سعر صرف العملة؟

أم ستكون الأولوية لكفاية شعوب الدول التي تئن تحت وطأة الفقر والجوع، بعد أن ناف الجوعى فيها على نصف السكان وتصدرت دول العالم بالجوع؟

ولأن البصل آخر نجاحات استراتيجيات الدول المجتمعة للموسم الحالي، ربما يمكن البناء عليه لاستشفاف مخاضات اللقاء العتيد اليوم، من دون التطرّق لطوابير الأفران، وغلاء الخبز، ومقايضات استيراد القمح، لما يمكن أن يساق حوله من أعذار حول تخفيض تركيا حصص مياه سورية والعراق من نهري دجلة والفرات، وأثر ذلك على الزراعة المروية.

إذ بالبصل الذي لا يحتاج إلى مياه، بل يزرع بأراض شبه صحراوية، يبعد منطق أية توصيات قد تخرج عن "لقاء الأشقاء" اليوم، فأن يصل سعر كيلو البصل بسورية إلى 16 ألف ليرة، ويصدر قرار رئيس الوزراء هذا العام باستيراد 2000 طن، بعد أن سمح رئيس الوزراء نفسه، بتصدير 118 طن بصل، الموسم السابق، بأسعار زهيدة، فهذا يدلل على أن حكوماتنا هم صنّاع الأزمات وآباؤها لمآرب أخرى، وليسوا أبناء أزمات جراء ظروف جوية، كما الادعاءات، أو استهداف خارجي، كما الأعذار وفوبيا المؤامرة.