تونس: ثقافة محكومة بالأمل

تونس: ثقافة محكومة بالأمل

31 ديسمبر 2014
بن مرزوق / تونس [مقطع من لوحة]
+ الخط -

إنه حدث طريف حقاً، هذا الذي ينتهي به الموسم الثقافي في تونس، إذ نجح عدد من المثقفين في إجبار السلطات على نزع اللوحة الدعائية التي وضعت لتغطي واجهة تمثال العلامة عبد الرحمن بن خلدون المنتصب في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة. هذا التحدي فسّره البعض بيقظة ضمير الكُتّاب والفنانين والمثقفين عامة واستماتتهم في الدفاع عن رموز الفكر والمعرفة ضدّ موجة الاستهلاك والتسليع المعمّم. إنه انتصار صغير للمثقف على السلطة.

وقد علّق الروائي كمال الرياحي، من حملة "إنقاذ ابن خلدون" في شبكات التواصل الاجتماعي، على هذا الانتصار المعنوي للثقافة بقوله: "إذا وقف غيرنا أمام الدبابات لحماية أوطانهم، فلن أتردد في الوقوف كل يوم في وجه العولمة القبيحة والشركات المتوحشة التي تهدد وجودنا وهويتنا وثقافتنا".

تلخّص حادثة حجب تمثال النحات زبير التركي وطمسه، على بساطتها، الواقع المرير للثقافة في البلاد خلال فترة عسيرة للانتقال الديمقراطي بعد انتفاضة عارمة أطاحت نظاماً دكتاتورياً يمقت الفكر ويهاجم أعلامه.

وحتى بعد ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011، تواصلت بعض مظاهر العنف والتعدي على الفنانين وأصحاب الرأي. وهنالك أمثلة كثيرة عن الاعتداءات لا تزال تلقي بظلالها حتى اليوم على الساحة، من ذلك تهشيم واجهة قاعة "سينما أفريكارت"، وكذلك ضرب نخبة من المسرحيين أمام "المسرح البلدي"، إضافة إلى الهجوم على المجسمات التشكيلية لـ"معرض العبدلية" في ضاحية المرسى.

ورغم أن جلّ التظاهرات الثقافية الكبرى التي تنظّم سنوياً لم تتوقف ولم تتأثر بالتوترات الأمنية، إلا أن سنة 2014 كانت شاهدة على غياب "معرض تونس الدولي للكتاب" بسبب ما أعلنه "اتحاد الناشرين" من أن دور النشر غير جاهزة لإقامة "عرس الكتاب"، بل إنها عاجزة مادياً عن تغطية مصاريفه المكلفة. وقد خلّف إلغاء المعرض جدلاً واسعاً لدى المثقفين وتذمراً كبيراً في صفوف شرائح كبيرة من القراء والباحثين ومحبي المطالعة.

في المقابل، تمكّن بعض الكُتّاب من تخطّي خيباتهم محلياً بنيل جوائز عربية، على غرار الشاعر المنصف الوهايبي الذي نال "جائزة البابطين" عن مجموعته الشعرية "ديوان الوهايبي" كأفضل ديوان. في المقابل فاز محمد بن حمودة بـ"جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي" في دورتها السادسة عن كتابه "تذويب الفني في الثقافي".

أما في مجال السينما، فقد حظي عدد من الأفلام بجوائز عربية، مثل شريط "باستاردو" للمخرج نجيب بلقاضي الفائز بجائزة الفيلم الروائي الطويل في الدورة 20 لـ"مهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط"، وكذلك بالجائزة الكبرى ضمن الدورة الثلاثين لـ "مهرجان الإسكندرية السينمائي"، إضافة إلى فوز الممثلة التونسية لبنى نعمان بـ"جائزة أفضل ممثلة" عن الفيلم ذاته.

حصاد السينمائيين هذه السنة كان غزيراً، إذ تضاعف عدد الأفلام المنتَجة، لا سيما في ما يتعلق بالأفلام القصيرة. الحدث المميز أيضاً في مجال الفن السابع هو بلا شك الإعلان عن تحويل "أيام قرطاج السينمائية" إلى مهرجان سنوي بعد أن كانت تُقام بالتداول مع "أيام قرطاج المسرحية" سنة بعد سنة.

فنون الفرجة شهدت كذلك تقديم عروض جديدة لقيت إقبالاً من الجمهور التونسي المعتاد على المسرح والمتعطش له. ومن هذه المسرحيات "الخلوة 2" و"السقيفة". كما تسلّم المخرج فاضل الجعايبي إدارة "مؤسسة المسرح الوطني" الذي قدّم عدداً من العروض الناجحة في مهرجانات عالمية مثل "مهرجان أفينيون" الفرنسي.

أما في ما يتعلق بالفنون البصرية، فقد تنامى عدد أروقة العروض التشكيلية والفوتوغرافية وتنوعت الملتقيات والبيناليات وتكثفت معارض الفيديو. في السياق ذاته أقيم معرض خاص لأعمال الثلاثي التشكيلي الألماني بول كلي وأوغست ماكيه ولويس موييه تخليداً لرحلتهم الشهيرة التي قاموا بها إلى تونس سنة 1914.

في سياق آخر، رحل عدد من المثقفين التونسيين هذا العام، منهم عبد الوهاب المؤدب، والشاعر عبد الله مالك القاسمي والروائي الهاشمي غشام، والناقد أبو زيان السعدي، والكاتب المسرحي الحبيب بولعراس، والممثلان عبد المجيد لكحل والطيب الوسلاتي، والفنان التشكيلي حمادي الشريف، والموسيقي صالح المهدي المعروف بلقب "زرياب تونس".

ورغم هذا الفقد والحزن الذي وسم السنة المنقضية، ورغم الانحسار الملحوظ لعدد المكتبات ودور السينما، يتطلع التونسيون لسنة ثقافية جديدة تلقى فيها الثقافة والمثقف بعض استحقاقاتهما. ومن المنتظر أن تشهد سنة 2015 انطلاقة نوعية لعل أهم مظاهرها تدشين "دار الصورة"، إضافة إلى استئناف بناء مشروع "مدينة الثقافة" الذي توقفت فيه الأشغال قبل الثورة.

دلالات

المساهمون