داوود أولاد السيد: من الفوتوغرافيا إلى السينما

داوود أولاد السيد: من الفوتوغرافيا إلى السينما

24 مايو 2015
تصوير: سين غالوب
+ الخط -

عندما قرّر داوود أولاد السيّد (1953) مغادرة المغرب إلى فرنسا سنة 1977، لم يكن يعتقد أنه سيحترف الوقوف خلف الكاميرا، مصوّراً أو مُخرجاً. كان يرغب في إكمال دراسته العلمية في الفيزياء، لكن وفي أثناء تحقيقه هذا الهدف، ثمّة ما دفعه بقوّة إلى تغيير اهتمامه بشكل غير متوقع.

يروي أولاد السيّد لـ "العربي الجديد" ما حدث معه: "لم أكن أكترث بغير العلوم، كنت أعرف أسماء أدباء وفنانين وفلاسفة من دون أن أهتم بها كثيراً. حتى حدث أن دخلتُ صدفة إلى معرض صور للفنان كارتييه بريسون سنة 1980، فأصبت بصدمة حب لصوره التي تميزت ببساطة مواضيعها وعمق تأثيرها". يضيف "شعرت أن هذه الصور خاطبت شيئاً في داخلي، ثم اقتنيت آلة تصوير في اليوم التالي وشرعت في تعلّم التصوير، منفرداً تارة وبالاستفادة مما كنت أتعلّمه داخل نادي السينما في الجامعة، وهكذا انخرطت جدّياً في عالم الصورة قراءة وممارسة".

بعد سنوات من ملازمة آلة التصوير كهاوٍ، دخل أولاد السيّد عالم الاحتراف ونشر صوره في مختلف المجلات المتخصّصة، ثم أقام معرض صور في "معهد العالم العربي" في فرنسا حول المغرب. لم يتصوّر أن يكون ضمن الحاضرين كارتييه بريسون نفسه، الذي أُعجب بصور أولاد السيّد، واعتبره "حامل مشعل التصوير الشمسي"، بعد أن ساد جدال في تلك الفترة عن انتهاء عصر الصورة الفوتوغرافية مع ظهور التصوير الرقمي.

يقول عن لقائه ببريسون "بعد انتهاء المعرض دعاني إلى منزله. كانت لحظة عظيمة، أهداني أحد كتبه المهمة، وكتب فيه: "هذا الكتاب ينتظرك منذ زمن يا داوود". وبعد أن أخبرته عن رغبتي في الالتحاق بـ "معهد ماغنوم"، قال "عُد إلى المغرب فهناك عالم في حاجة إلى الكاميرا التي تحملها".

بناء على نصيحة بريسون، سيرجع الشاب المغربي إلى وطنه، ويحاول أن يعيد اكتشاف بلده من جديد، ولكن بعينيّ فنان هذه المرة. بسيارته التي حوّلها إلى استوديو متنقل، طاف كل مدن البلاد وأسواقها الشعبية، موثقاً لحظات ومواقف وفترات زمنية مهمّة من حياة المغاربة.

في لقطات أولاد السيد بحث مستمر عن الحركة، ويغيب فيها عنصر الثبات أو الطبيعة الجامدة. يوضح قائلاً: "أبحثُ في صوري عن الإنسان والحركة، الثبات لا يحرّك اهتمامي الفني ولا أنتبه كثيراً للطبيعة الجامدة، وهذه الميزة هي التي فتحت أبواب السينما أمامي".

لهذا الانتقال قصّة يرويها لنا: "تمّت دعوتي إلى حفل تكريم كاتب السيناريو والسينمائي جون كلود كارييه، بغرض أن ألتقط له صوراً، وهناك أهداه المعهد الفرنسي ألبوم صوري الذي يحمل اسم "مغاربة". لاحظ السينمائي بعد تصفحه أن كل الصور تطبعها الحركية والحياة، واقترح علي أن ألتحق في ورشة متخصّصة في السينما في فرنسا، وبعد ذلك بدأتُ التفكير جدياً في صناعة الأفلام".

لكن مسيرة أولاد السيّد السينمائية ستبدأ فعلياً بلقاء شخص آخر، هو المخرج أحمد البوعناني، الذي لاحظ أن أجزاء من حياة أولاد السيد تصلح أن تكون مادة أفلام. في هذا السياق، جاءت أفلام "الذاكرة المغرة" (1991) و"بين الغياب والنسيان" (1993) والفيلم الوثائقي "الواد" (1995)، ثم الفيلم الروائي الطويل "باي باي السويرتي" (1998)، وأخيراً فيلم "عود الريح" (2001).

في 2003، تعاون مع كاتب السيناريو يوسف فاضل لإنجاز فيلم "طرفاية باب البحر"، ثم فيلم في "انتظار بازوليني" (2007)، الفيلم الذي افتتح مهرجان سان فرانسيسكو. وفي فيلم "الجامع" (2010) كتب أولاد السيّد السيناريو بنفسه، ورغم أنها كانت أولى تجاربه في الكتابة، فقد حاز الفيلم على جائزة السيناريو في "مهرجان الفيلم الفرنكفوني". وإضافة إلى هذه الأعمال، أخرج الكثير من الأفلام التلفزيونية.

تحمل أفلامه، في الوقت نفسه، أسلوبه في التقاط الصورة وما يناقضها. فهو، من ناحية، يعود إلى الأماكن نفسها والوجوه التي التقط فيها صوراً في الماضي، وأحياناً يعود لنفس الأشخاص والمواضيع، لكنه وبعكس أسلوبه في التصوير الفوتوغرافي يصوّر أفلاماً بمشاهد تكاد تكون ثابتة، مع إدخال عنصر اللون الذي يغيب عن أغلب صوره.

بعد هذا المشوار، يحلم صاحب "الجامع" بسينما مغايرة لما أنجزه، يقول "أودّ أن أدخل في مغامرات إخراجية، وأن أبتعد عن الفيلم بعناصره المعروفة. أود أن أنجز أفلاماً ليست مفهومة بالضرورة، ولكنها تثير أسئلة فنية وتختبر وسائل جديدة في عالم الإخراج".

وعن رأيه في ظاهرة تراجع درجة الإتقان الفني لدى بعض المخرجين المغاربة بعد بداياتهم القوية ومشاركاتهم في المهرجانات العالمية، يقول: "لا يمكن لأيّ مبدع أن يظل على نفس النسق الفني. وهذا أمر يمكن تعميمه على كل ضروب الإبداع، والسينما بوجه خاص. وهو ينطبق على كل مخرجي الأفلام وليس المغاربة فقط".

دلالات

المساهمون