"شيخات وشيوخ العيطة": أنطولوجيا ضد النسيان

"شيخات وشيوخ العيطة": أنطولوجيا ضد النسيان

02 مارس 2018
(الشيخة فاطنة بنت الحسين)
+ الخط -
بعرض فيلم وثائقي عن غناء العيطة المغربي، جرى إطلاق أنطولوجيا "شيخات وشيوخ العيطة" في الدار البيضاء الثلاثاء الماضي، ترافق الكتاب مع عشرة أقراص مدمجة تتضمن نماذج من هذا الغناء، وسيجري عرض الفيلم وتقديم المختارات في "معهد العالم العربي" في باريس مساء الثامن من الشهر الجاري.

أنجز الأنطولوجيا، التي صدرت باللغتين العربية والفرنسية، وأشرف عليها وعلى تحريرها رئيس جمعية "أطلس أزوان" إبراهيم المزند، ولتحقيق العمل على أفضل صورة ممكنة بحيث يمثل تيارات واتجاهات وجغرافيا المغرب كاملة، قابل المزند أكثر من 250 فناناً وفنانة، واستعان بثلاثين عازفاً من مناطق مغربية مختلفة.

تعود مقدمة الكتاب إلى تاريخ فن العيطة، وإلى التقلبات والمنعطفات التي سلكها متأثراً بالأحداث التاريخية والتغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية، التي غيرت من شكل هذا الغناء ومواضيعه ومكانته عبر العقود، ولا سيما التغيرات التي حدثت على مكانة المرأة الشيخة التي تؤدي العيطة.

فإن كان فن العيطة قد ظهر مع بداية عصور سلاطين المغرب، كفن راق يمتع الناس ويجلب البهجة في المناسبات المفرحة ويواسي المكلومين في لحظات الموت والفقدان، ويغني قصائد مختلفة المواضيع؛ دينية ودنوية، فإنه تحول إلى وسيلة مقاومة خلال حقبة الاستعمار الفرنسي، حيث كانت القصائد المغناة تحمل رموزاً لا يفهمها إلا أهلها مما سمح بأن يكون غناء العيطة رسولاً بين المقاومين يحمل شفرة سرية لا يفكها الأغراب.

لكن الحال لم تدم لغناء العيطة، وخاصة للشيخات منهن، فبعد أن كان للشيخة دور اجتماعي ثقافي مقدر من المحيط من حولها، أصبحن موضع تحفظ واعتبرن خارجات عن المألوف واللائق في المجتمع المحافظ، وزاد الأمر سوءاً أن قام الباشا التهامي الكلاوي (1878-1956) في مراكش بوضع الشيخات مع البغايا في حي واحد من أحياء المدينة، ما أثر بشكل كبير على مكانتهن في المجتمع ولم يقتصر الأثر على مراكش فسرعان ما أصبحت هذه هي النظرة العامة إلى الشيخات.

اليوم ينظر إلى فن العيطة بالعموم وإلى غناء الشيوخ والشيخات بحنين إلى التراث الذي يشكل جزءاً لا يتجزاً من الفلكلور الشعبي المغربي، ومع تراجع ذيوع نوع الغناء نفسه، ورحيل معظم مغني العيطة الكبار، أو تقدم كثير منهم في العمر وتأثر ذاكرتهم وأصواتهم، تعتبر الأنطولوجيا نوعاً من التوثيق لقطعة من التراث اللامادي للبلاد.

المقدمة تضمنت أيضاً وقوفاً عند تجارب أهم مغني ومغنيات العيطة؛ مثل فاطنة بنت الحسين (1935-2005)، والحاجة الحمونية (1937-2013)، ومحمد العروسي (1934-2014)، وبوشعيب البيضاوي (1928-1965) والماريشال قيبو (لا يعرف تاريخ ولادته ورحيله لكنه مجايل للبيضاوي).

أفرد الكتاب أيضاً جزءاً منه لمفردات غناء العيطة وأنواعه ومسمياته، وأنواع الآلات المستخدمة فيه مثل التعريجة، والدربوكة، والبندير، والكمنجة، ولوتار، والمقرون. كما تضمنت الأنطولوجيا ملحقاً من الصور الفوتوغرافية التي تؤرشف للشيوخ والشيخات والحفلات.

شارك في موسيقى وغناء الألبوم العديد من الأسماء، من أبرزهم أولاد بن عكيدة، وخديجة مكروم، وأولاد البوعزاوي، وخديجة البيضاوية، ومصطفى البيضاوي، وولد قدور.

المساهمون