ليسوا سوى هولوغرام

ليسوا سوى هولوغرام

22 مايو 2017
فرانسوا مورلي/ فرنسا
+ الخط -
لطالما امتلكتنا الرغبة ونحن نقرأ لمفكرين وفلاسفة كبار أن نرسم صورة حيّة لهم في مخيّلتنا، استناداً إلى أفكارهم وأسلوبهم في الكتابة. وكثير من الفنانين، بما أنه لم يصلنا شيء من صور مرسومة لكتّابنا وفلاسفتنا، أنجزوا منحوتات ولوحات فنية لابن رشد، وابن سينا، والجاحظ وغيرهم ممّن تركوا لنا تراثاً أدبياً وعلمياً لا ينضب.

وبما أن الغرب كان لا يملك أية مشكلة مع رسم الأشخاص، فنجد هنالك مجموعة لا تحصى من اللوحات لأبرز شخصياتهم الأدبية والفنية والدينية والعسكرية.

وفي معظم الأحيان، الصورة والنصّ يترافقان، ويمكننا بين لحظة وأخرى، وبالأخص عندما نقرأ فقرة تعبّر عن عبقرية كبيرة، أن نتوقف ونحدّق مليّاً في وجه ليوناردو دافنتشي، أو وليم شكسبير، أو دانتي أليغييري، ربما لنبحث، بغير وعي، في ما إذا كانت ملامح الوجه أو هندسته، تتناسب مع ممّا أثار دهشتنا. ولكننا الآن، على ما يبدو، سوف لن نكتفي بالتحديق في صورة أو لوحة جامدة فقط، بل سنحضر درساً في الفلسفة على مدرجات الجامعة وسيكون المدرّس على المنصة أفلاطون شخصياً، أو بكامل هيبته الافتراضية.

وقصة ما يسمى حالياً "هولوغرام" بدأت في عام 1947 على يد الفيزيائي الهنغاري، دينيس غابور، الذي حاز على جائزة نوبل عام 1971، وكانت في البداية عبارة عن صور ثابتة ومشوّشة، ولم تتخذ شكلاً دقيقاً ومقبولاً إلا مع اكتشاف الليزر.

و"الهولوغرام" ظهر في كثير من أفلام الخيال العلمي، من بينها "حرب النجوم" وتحوّل إلى جزء من الثقافة الشعبية في الدول المتقدمة صناعياً، ثم عاد ليختفي مجدّداً، ليظهر ثانية أثناء توزيع جوائز "غرامّي" في عام 2006، عندما غنّت مادونا مع فرقة "غوريلّاس"، وهي فرقة من الرسوم الكرتونية المتحركة. بعد هذا العرض المثير، تضاعف عدد النجوم الافتراضيين لازدياد الطلب من قبل الجمهور ورغبته الهائلة في التعامل مع شخصيات قادمة من العالم الافتراضي بدلاً من أشخاص من عظم ولحم.

في اليابان، توجد هاتسوني ميكو، نجمة بوب لا تملك من البشر لا الصوت ولا الملامح ولا المورثات، لأنها ولدت على الشبكة العنكبوتية، ثمّ تحولت إلى هولوغرام وأخذت تقدّم استعراضاتها متنقلة من مدينة إلى أخرى مثل كل نجوم الغناء.

وفي اليابان أيضاً، ظهرت إلى الوجود آزوما هيكاري، مساعدة افتراضية للعزّب، تبث حالة الطقس، تقرأ نشرة الأخبار وتتحكّم في تدفئة البيت والإنارة، تحزن عندما تبقى وحدها و"تشتعل" بالبهجة عندما يحضر صاحب البيت. بهجة غير نابعة من الأحاسيس طبعاً، إنما من الوجود المادي لكتلة تحتل حيزاً من الفضاء المحيط بها.

النقلة النوعية للهولوغرام بدأت مع استعماله في التعليم، على سبيل المثال في تسهيل استيعاب دروس الكيمياء والجغرافيا باستعمال مجسّمات افتراضية ثلاثية الأبعاد يمكن أن يراها جميع الطلاب المتواجدين في الحصّة.

الخطوة التالية، ولا تزال قيد التجريب، هو المُعلّم الافتراضي، أي الشخصية نفسها التي ابتكرت نظرية علمية أو فلسفية، أو قادت معركة تاريخية، مثل نابليون، وآينشتاين، وأرسطو وغيرهم ممّن تركوا بصماتهم في تاريخ البشرية، خيراً أم شراً.

وبالإضافة إلى التعليم، هذه التقنية يمكن أن تجد مستقبلاً لها في إدارة الأعمال وفي السياسة أيضاً، كما فعل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أثناء حملته الدعائية في الاستفتاء الأخير، ورئيس الوزراء الهندي، ناريندا مودي، ومرشح الرئاسة الفرنسية، جان لوك ميلونشون، الذي ظهر في نفس الوقت في باريس وليون، مما دفع الناس ليتساءلوا: ألا يكفي واحد منهم ويزيد؟

المساهمون