بقايا كلام حول الحرف الأمازيغي

بقايا كلام حول الحرف الأمازيغي

01 فبراير 2017
(رمز أمازيغي بمنطقة القصر المغربية، تصوير: راكيل ماريا باغولا)
+ الخط -

في العاشر من الشهر الحالي، تحلّ الذكرى الـ 14 لمصادقة الملك المغربي محمد السادس على اختيار "تيفيناغ"، حرفاً رسمياً لكتابة الأمازيغية في المغرب، منهياً بذلك ما سمّي آنذاك بـ"معركة الحرف" التي كانت على أشدّها بين اتجاه دافع عن استمرار كتابة الأمازيغية بالحرف العربي، وآخر كان منحازاً لاستخدام الحرف اللاتيني.

لا شك أنّه في كل مناسبة، يتمّ بشكل رسمي وعلى مستوى المجتمع المدني، التذكير بما تحقّق في إطار "ورش النهوض بالأمازيغية"، بما في ذلك إبراز المقوّمات الفنية والتاريخية والبيداغوجية للحرف الأمازيغي، والتعريف بمنافذ جرى فتحها من أجل تسهيل انتشاره وتأصيله بكل تجلياته في المشهد المغربي.

لكن، ليس خافياً أن ما تحقّق على مستوى الحرف الأمازيغي، لم ينعكس على المشهد المغربي بعد هذه السنوات بالشكل الذي يجري الترويج له، على الأقل على المستوى الرسمي، خصوصاً في مجالات الإبداع والإعلام والتعليم؛ الخطوات الأولى لاكتساب حرف "تيفيناغ".

في هذا السياق، عبّر المسؤولون عن "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" إلى جانب فاعليات أمازيغية أيضاً، في أكثر من مناسبة عن عدم رضاهم التّام عما تحقّق بخصوص الحرف الأمازيغي، وهنا نتذكّر تصريحات سابقة لأحمد بوكوس، عميد المعهد التي بيّن فيها أن "الدّرب لا يزال طويلاً".

هناك مسار متعثّر حقاً، لكن ليس بسبب "الأطراف المعارضة" للحرف الأمازيغي، كما يرى بوكوس، أو بسبب تأخّر تنزيل القانون التنظيمي المتعلّق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، الذي أضحى مشجباً تُعلّق عليه كل تعثّرات الأمازيغية لغة وثقافة.

فمنذ البداية كانت مسألة تحديد الأبجدية المناسبة لكتابة الأمازيغية غاية في التعقيد والخصوصية، بسبب تداخل عضوي بين جملة معايير إيديولوجية وتقنية، وبالتالي لم يكن الحرص على تطوير الأمازيغية في كتابتها وتدوينها وتدريسها يراعي الحقيقة الثقافية والاجتماعية المغربية المشتركة التي تراكمت فيها روافد متعدّدة.

لكن كان من اللازم الانتباه إلى أن القول بالحرف العربي كآلية بصرية في التعبير عن الأمازيغية وتقديمها للمجتمع، يجد سنده في الحاجة المجتمعية للتعبير عن المشترك الجمعي بين المغاربة، بخلاف حرف "نيفيناغ" الذي يعاني من مشكلة تتعلّق بطول العهد به وعدم نجاعته في تحقيق التواصل المطلوب لغرابته، مما يجعله يحتفظ بقيمته الرمزية فقط.

هنا يجب التذكير بأن الثقافتين الأمازيغية والعربية تفاعلتا منذ أزيد من 15 قرناً، وهو تفاعل عميق وشمولي؛ من منطلق القدرة الدائمة على التفاعل بين الجماعات والشعوب في مسار وجودها، والشمولية التي لا تبقي زاوية حياتية في الظل.

لذلك فمواصلة كتابة الأمازيغية بالحرف العربي، سيحقّق تواصل الأمازيغ وغير الأمازيغ مع تراث أمازيغي مغربي مكتوب بالحرف العربي بدأ إنتاجه منذ حوالي عشرة قرون على الأقل. إنه تراث مشترك مغربي متنوع وغني في الأدب والفلك والطب والفقه، وقد ضاع منه أضعاف ما هو موجود الآن مما كتبته شخصيات أمازيغية بارزة في المعرفة والعلم والسياسة. يضاف إليه العديد من الكتابات الإبداعية المعاصرة عبر أكثر من ثلاثة عقود.

يبقى أنه لا أحد يجادل اليوم في ضرورة استعادة ذاكرتنا والإنصات إلى تعدّدنا الخلاّق الذي يزخر به واقعنا، لكي يفصح عن ذاته بطريقة ديمقراطية تتجاوز إلزامات الإقصاء أو التوحيد الأعمى، أو الاحتماء بحرب المواقع، "فكلّ المغاربة هم بطريقة ما، أمازيغ وعرب في الوقت ذاته، ويجب أن نضع هذه القضية فوق كل الاعتبارات الأيديولوجية" بتعبير عبد الكبير الخطيبي في حوار معه أواسط السبعينيات، ونشر لاحقاً في كتاب "المغرب المتعدّد".

دلالات

المساهمون