شريف حتاتة: عودةٌ إلى مسألة المرأة

شريف حتاتة: عودةٌ إلى مسألة المرأة

28 يوليو 2016
سيف وانلي/ مصر
+ الخط -

تبدو رواية الكاتب المصري شريف حتاتة (1923) الجديدة كما لو أنها استكمال لعمله السِيَري "النوافذ المفتوحة"، الذي صدر أوّل مرة عام 1993. تحمل الرواية عنوان "شريط الحزن الأبيض"، وقد شكّلت محور ندوة عُقدت، قبل أيّام، في "مكتبة البلد" في القاهرة، في غياب صاحبها، وبحضور ثلاثة كتّاب ونقّاد؛ هم: يسري عبد الله، ومحمود قرني، وسامي سليمان.

لعلّ السمة الأبرز في الرواية، التي صدرت حديثاً عن "مركز الأهرام للنشر"، هي غياب الأيديولوجيا والحدث السياسي عنها، بخلاف كتابات صاحب "الشبكة" المعروف بانخراطه في العمل السياسي، ضمن توجّهه اليساري. بحسب يسري عبد الله، فإن حتاتة اتجه في روايته هذه إلى الجماليات، مفضّلاً أن يثير أسئلة عن الموت والذاكرة، بعد أن ظلّ التداخل بين الأيديولوجي والأدبي حاضراً في أعماله منذ روايته الأولى "المرأة ذات الجفن المعدني" (1974)، وصولاً إلى ما تلاها من روايات وقصص قصيرة ومذكّرات توزّعت على ثلاثة أجزاء.

يرى عبد الله أن الحمولة الأيديولوجية قد تُسيء إلى العمل الأدبي، وتحوّله إلى مجرّد بيان ذي أهمية أيديولوجية أو توثيقية، من دون أن تكون له قيمة جمالية وإبداعية. مع ذلك، كما يضيف، يجري الاحتفاء بكتّاب يكرّسون أعمالهم للأيديولوجيا التي ينطلقون منها. هنا، يستشهد بأعمال نوال السعداوي، زوجة حتاتة سابقاً.

يشير عبد الله إلى أن الأم هي مركز الحكي في "شريط الحزن الأبيض"، ضمن إطار سردي يلتقي فيه الماضي بالحاضر؛ حيث يستعين حتاتة بتقنية "الفلاش باك" التي تكشف عن مواضع حميمية بين الأم والسارد. تداخُلٌ زمني يسهم في بناء الجدل بين الزمن والشخصيات، ويربط بينها وبين أحداث بعيدة؛ كالحرب العالمية الثانية وحادث حريق القاهرة، وفق تعبيره.

لكن الاتكاء على شخصية نسائية قد يبدو محض حيلة مستهلكة ومكرّرة. هنا، يلفت عبد الله إلى أن حتاتة تعمّد تكرار الاشتغال على هذه الجزئية ضمن قناعته بأن "الحديث عن المرأة وتناول قضاياها وأوضاعها الاجتماعية، هو من عمق اهتمامات اليسار التي ينساها دائماً، في مقابل التركيز على الفئات العمّالية"، مثلما يُشير في كتابه "فكر اليسار وعولمة رأس المال". تركيزٌ يصفه صاحب "فكر جديد في اليسار" بالجمود. وهو، هنا، كأنّما يحاول التحرّر من جمود اليسار المصري، من خلال انشغاله بقضايا المرأة.

ورغم اشتغالها على حكاية الأمّ الإنكليزية، إلا أن عبد الله يعتبر أن الرواية لم تنشغل بمسألة تمزّق الهوية كما في "الحي اللاتيني" لـ سهيل إدريس أو "موسم الهجرة إلى الشمال" لـ الطيب صالح، على سبيل المثال، بل ركّزت على أزمة اغتراب الأم في عالم الشخصيات المحيطة بها، مثل الزوج الذي يرتبط بامرأة أخرى. وبالموازاة مع المصائر المأساوية التي تعيشها شخصيات العمل الأنثوية، تكشف الرواية عن التحوّلات الاجتماعية التي شهدتها مصر بعد الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى نهاية التسعينيات.

يلفت المتحدّث إلى أن اهتمام حتاتة بقضايا المرأة لا يقتصر على أعماله السردية، بل يتجاوزه إلى تحليل الكتابة النسوية الذي خصّص له عدداً من دراساته؛ من بينها: "إبداع المرأة بين حصار السلفية ومصيدة التحرّر"، و"الخطاب الأصولي والمرأة وفكر ما بعد الحداثة"، و"تجربتي مع الذكورة".

لم يكُن ممكناً المرور على تجربة زواج حتاتة بنوال السعداوي التي يقول عبد الله إنها أدّت دوراً في كشف "الجانب الأنثوي" في شخصيته، والذي مكّنه من الانشغال بتفاصيل حياة النساء: "حضور السعداوي غيّر مجرى انشغالاته من ناشط يساري ينتهج العمل السرّي إلى روائي يكتب عن تجاربه وتجارب الآخرين بنبرة عالية".

من جهته، اعتبر محمود قرني أن معايشة حتاتة تجربة اليسار المصري، بدءاً من تأسيس حركة "حدتو" (الحركة الديمقراطية للتحرّر الوطني) كشفت له عن حجم القيود الأبوية والجمود الفكري الذي يعاني منه الأخير، ما دفعه إلى البحث عن تحرير نفسه بالفن والوعي بالمرأة ومسألتها.

يستشهد قرني بتجربة "النوافذ المفتوحة"، التي يعتبر أن الكاتب وضع فيها اليسار المصري، وخصوصاً تجربة العمل السري في "حدتو"، تحت عدسة مكبّرة، وواجه فيها صاحب "طريق الملح والحب"، نفسه واليسار بتناقضاته ومعضلاته، معتبراً أن نمو هذا التيار قد توقّف عند الأربعينيات، بمعنى أنه لم يطوّر أدواته ولا آليات اشتغاله، ولم يمارس النقد الذاتي. وبالتالي، لم يتمكّن من مجاراة المشكلات الجديدة التي واجهت السياسة والمجتمع المصريين منذ نهاية الحرب العالمية حتى اللحظة بحلول جديدة.

أمّا الناقد سامي سليمان، فاعتبر أن "شريط الحزن الأبيض" تتعمّق في الذاكرة كمحاولة لإثبات وجود الذات في العالم، كما اتّسمت فيها حركة الذاكرة بالحرية، وهو ما اتّضح في عدم تقسيم الرواية إلى فصول أو مقاطع. بالنسبة إلى سليمان، فإن انتقال الراوي بين أربعة أزمنة مختلفة، إضافةً إلى إرجاء تعاطفه مع الأم إلى اللحظات الأخيرة، ليس إلا تأكيداً على إتاحة المجال للذاكرة، لأن تفيض من دون عراقيل زمنية أو عاطفية.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انفصال قسري
يُمكن لقارئٍ يعرف القليل عن حياة شريف حتاتة أن يربط بين الرواية وبين سيرة الكاتب نفسه، المولود لأم إنكليزية والذي قضى قرابة 15 عاماً من حياته معتقلاً سياسياً، مثلما هي شخصية الابن في العمل. أما دوريس، فتخسر ابنها في السجن، وزوجها يرتبط بأخرى، وشقيقها هو أحد ضباط الاحتلال الإنكليزي. وكقرّاء سنكون شهوداً على لحظة من انفصال قسري عن هويتها وعائلتها ووطنها، تعيشها هذه المرأة.


المساهمون