أغانٍ تؤسس دولة

أغانٍ تؤسس دولة

24 أكتوبر 2016
(وسط البلد في عمّان عام 1950)
+ الخط -

في حوار تضمنتّه أغنيته المعنونة بـ "غزلان العين"، تطلب سهام الصفدي (1954- 1997) من عبده موسى (1927- 1977) أن يصف حبيبته، فيقول إنه "يحتاج شهرين بلياليها ليمرّ على وصف غزاله بجبينه البدر المنوّر وشعره الأسود "الكحالي"، وطوله "عود الخيرزان" وخدّه يا ورد وريحان، وسنونه (أسنانه) شك اللؤلؤ، وشفافه مثل المرجان".

الأوصاف لا تكتمل في أغانٍ أخرى إلاّ بعناق المعشوقة وتقبيلها وذكْر جميع مفاتنها؛ ذاكرة تعود إلى عام 1950 –تحديداً- حين تأسّست إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية في رام الله قبل انتقالها إلى عمّان بعد ست سنواتِ، إذ جلس المسؤولون (في أعلى مناصبهم في الجيش والمخابرات والوزارات) في استوديوهاتها مع عبده موسى وتوفيق النمري وجميل العاص يبحثون في فلكلور الريف؛ الفلسطيني خاصة، عن أغانٍ تُقدَّم على الربابة بألحان تقترب من البادية الأردنية.

بحثٌ آمن فيه أصحاب القرار الذي أرادوا أن يؤسّسوا أغنية وطنية لمشروع الوحدة الوليد (شرق الأردن والضفة الغربية عام 1951)، حتى أنهم تدخّلوا في تعديل ألحان وكلمات أغانٍ ليس هناك من يوثقّها سوى إشاعات لا تزال تتردد بعد ستين عاماً وأكثر.

من تلك الإشاعات أن هؤلاء القادة السياسيين والعسكريين كانوا الداعمين الأوائل لظهور أول صوت نسائي في تاريخ الأردن، هو سلوى العاص (1942)، وأنهم سعوا إلى إقناع أهلها الرافضين لامتهانها الفن، وإلى مباركة زواجها من جميل العاص رئيس القسم الموسيقى في الإذاعة آنذاك.

الغزل بمفرداته الجريئة كان يؤديه بالعادة مغنٍ ومغنية، فانطلقت مسيرة سميرة توفيق وهيام يونس وسعاد توفيق وغيرهنّ إلى جانب توفيق النمري وعبده موسى وجميل العاص وآخرين، وكذلك انطلقت أغاني الحصاد في بلد يعتمد في نشأته أساساً على الزراعة، ومعها أغانٍ حماسية تحضّ على العمل والبناء.

"وين على رام الله"، ربما تبدو المثال الأبرز لتداخل الفن والسياسة، فالروايات المتناقلة عن تلك المرحلة، أن أحد المسؤولين الكبار كان يحضر جلسات إعداد أغنية بعنوان "وين على باب الله"، لكنه فجأة قرر أن يستبدل الكلمات قبل أن تغينها سلوى العاص في النسخة التي ظهرت عليها وظّنها كثيرون أن أنها أغنية تنتمي إلى تراث اقدم.

تأسيس دولة احتاج فلكوراً يجمع مكوّناتها، هكذا كان يعتقد مسؤولوها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حتى انتقلنا إلى السبعينيات إذ ذهب المشروع إلى أغنية وطنية "رسمية" بقصائد كتبها شعراء أردنيون وعرب تمجّد رموزاً بعنيها، واستمر الحال حتى نهاية قرن وعهد بأسره.

في الألفية الثالثة أستبدلت "الرصانة" بأغنية ركيكة المعنى والمبنى يؤديها كل من استطاع أن يحصل على دعم مالي من جهة حكومية أو خاصة. وبالمصادفة ظهرت أغنيات لا يمكن حفظ مفرداتها وألحانها، وجميعها تحضّ على عنف بلا قُبَل وريحان.

المساهمون