عطيل أم مصطفى سعيد؟

عطيل أم مصطفى سعيد؟

11 سبتمبر 2015
إبراهيم الصلاحي / السودان
+ الخط -

حين تُذكر رواية "موسم الهجرة إلى الشمال"، للطيب صالح، فإن أول ما يخطر على بال المرء هو شخصية مصطفى سعيد التي عرفها من قراءة النص، أو من الدراسات والمطالعات والمراجعات الصحافية التي قرأت الرواية، أو كتبتْ عنها نقداً أو مطالعة، منذ أن صدرت في بداية الستينيات من القرن العشرين حتى اليوم.

وقد قاربت طبعات الرواية العشرين، وهو رقم عربي مميّز قلّما حظي به الروائيون العرب. وإذا ما تحدثنا عن القراءات المتنوعة لهذه الرواية، فإن فضائل الأرقام ستمنحها خصالاً أكثر تفرّداً.

وفي كل تلك الأحوال، ظلّ مصطفى سعيد هو الحاضر البهي والصادم والمثير لأسئلة عربية ذات منحى وجودي، يشير إلى العلاقة المتوترة بين الشرق والغرب.

الملاحَظ أن بعض القراءات العربية تباهت بالغزو السعيدي لأوروبا، كأن الرجل كان وكيلاً عربياً، أو ممثلاً فحلاً راح إلى هناك كي يجرّب مهاراته الذكورية الشرقية في أجساد النساء الإنجليزيات؛ وهو ما شكّل واحدة من النقاط الرابحة إلى جانبه كشخصية روائية، بحيث بدت عباراته في الرواية، دليلاً ثقافياً وسلوكياً يشير إلى نهج العربي في المغترَب الأوروبي.

وفي المقابل، لا تتضمّن قصة الراوي الموازية لحكاية مصطفى سعيد، عناصر إشكالية مشابهة. لقد سافر إلى إنجلترا للدراسة، وعاد ليعمل في بلاده، بعد أن أنهى دراسته في الشعر الإنجليزي.

وفيما كان الراوي يحدّث أبناء بلدته عن أن الناس في أوروبا هم مثلنا، وأن بينهم العامل والطبيب والمعلّم، وأنهم يخافون من المجهول وينشدون الحب ويبحثون عن الطمأنينة؛ فإن العشرات من النقاد العرب قرّروا تجاهل هذه الإشارة. إذ إن منطق الصراع الذي جسّده مصطفى سعيد هو الذي شغل المثقفين العرب. فالدراما تفترض أو تقترح الصراع والتضاد بين جهتين متقابلتين، تماشياً مع رغبة استئصالية، وميل إقليمي يرى أن لا لقاء بين الشرق والغرب.

لماذا تختار الثقافة، أو أقسام من أي ثقافة، هذا البطل أو هذه الشخصية الروائية لتجعل منها نموذجاً يستحوذ على المجال العام للوعي الجمعي، أو شبه الجمعي؟ وتتجاهل الشخصية الأخرى؟ هل يتحمّل الروائي المسؤولية عن القراءة ذات البعد الواحد، أم تتحمّله الثقافة التي باتت ترى وجودها من خلال نهج التحدّي؟

هل يتحمّل مصطفى سعيد قسطاً من المسؤولية؟ هل هي قوة حضور الشخصية في النص، أم في الواقع؟ ولو كان الطيب صالح كتب عملاً متواضعاً فنياً، فهل كان بوسع مصطفى سعيد أن يحقّق هذا الحضور؟ لكن ما استهوى النقاد العرب، والقراء أيضاً، إنما هي عبارته الشهيرة: "أنا لست عطيلاً. عطيل كان أكذوبة".

وقد بات من النادر أن تقرأ نقداً لرواية الطيب صالح، دون أن تجد فيه هذه الصرخة. بينما نرى أن النقاد العرب لم يعترضوا على شخصية عطيل من قبل، على الرغم من أن مسرحية شكسبير تُرجمت إلى العربية في وقت مبكّر من القرن العشرين. كأنما أيقظت العبارة الثقافة، أو نبّهتها إلى حالها، وبيّنت لها سبيل الخلاص من التبعية. هل كان هذا صحيحاً؟

دلالات

المساهمون