محمد العريبي.. بوهيمي تحت السور

محمد العريبي.. بوهيمي تحت السور

14 اغسطس 2015
العريبي في بورتريه لـ منصف الرياحي
+ الخط -

قلةٌ من يعرفون محمد العريبي (1917 - 1946)، ففي ما عدا أن "مُعجم البابطين للشعراء العرب" الذي ضمّنه في موسوعته، وبعض المقالات التي تشير لانتسابه إلى جماعة "تحت السور" التونسية، لا يكاد هذا الصحافي والشاعر، الذي وُلد في تونس في أسرة جزائرية وعاش فيها، يُذكر. وإن ذكر، فلا تُذكر جزائريته.

عكست كتابات محمد العريبي، في الشعر والقصة والمقالة الأدبية والسياسية والاجتماعية، نزعة واضحة لدى جيله نحو التجديد.

في مجموعته القصصية اليتيمة "الرماد"، نجد خروجاً واضحاً على عناصر القصة السائدة في العشرينيات والثلاثينيات؛ حيث ينتصر للفرد المهمّش على حساب قيم المجتمع. ولعله أول من اتخذ بائعات الهوى موضوعاً للتعاطف في الأدب العربي.

يصعب التفريق في أعمال العريبي بين الخيالي والشخصي، إذ ينطلق غالباً من مواقفه ويوميّاته المعيشة، ثم يحوّلها إلى قصص بشخصيات لا تمتّ إليه بصلة.

نجد ذلك أيضاً على مستوى الشعر، ففيه نجد انعكاساً لواقعه. ومن أبرز قصائده مرثيته لصديقه أبي القاسم الشابي. ومن أهم ما يلفت الانتباه فيها، خروجه عن قواعد الرثاء؛ حيث يستهلّها بالتغزل بالنساء.

يلتقي ذلك مع ما يُشاع عنه بأنه كان يعيش حياة بوهيمية، مثل معظم أعضاء "جماعة تحت السور"، كالقصّاص علي الدوعاجي والشاعر محمود بيرم التونسي.

يعد مؤرّخو الأدب "تحت السور" واحدة من أهم الجماعات الثقافية في العالم العربي وأنشطها في فترة ما بين الحربين. تستمد الجماعة التي تضمّ شعراء ومؤرّخين وصحافيين اسمها من مقهى يحمل الاسم ذاته في حي "باب سويقة" الشعبي في تونس العاصمة.

خاض العريبي أيضاً حياة صحافية صاخبة. وحسب ما نقله محمد صالح الجابري في كتابه "الشعر التونسي المعاصر 1870 - 1970"، فإنه بدأ مسيرته بنشر مقالات في "السردوك" و"السرور" و"الشباب"، وهي جرائد ساخرة انتشرت في ذلك الوقت في تونس. كان معظمها يصدرها أعضاء من "تحت السور"، وقد ترأس العريبي تحرير جرائد مثل "الحياة" و"الوطن" و"الزمان".

جعله العمل الصحافي يتعرّض لغضب السلطات الفرنسية، حيث كانت تونس خلال كامل حياته مستعمرة، فسُجن مراراً بتهم التحريض والمشاركة في المظاهرات. وبسبب هذه المضايقات، اختار الاستقرار في الكونغو بداية الأربعينيات، ثم انتقل إلى الجزائر حيث عمل في إذاعتها، ليستقر في باريس كمحطة أخيرة.

هناك عاش العريبي حالة من الاغتراب النفسي؛ يبدو أنها دفعته إلى وضع حدٍّ لحياته، فانتحر باستنشاق الغاز، فيما يقدّم الجابري رواية أخرى، حين يعيد انتحاره إلى تراكم الديون عليه.

المساهمون