"إعزيزة": متاهة الغرف العراقية

"إعزيزة": متاهة الغرف العراقية

21 مايو 2015
مشهد من المسرحية
+ الخط -

بخور ونذور، دفوف ورقص كي تبدأ الـ"إعزيزة" مفعولها في البيت. الـ"إعزَيّزَة" في الموروث الشعبي العراقي هي عظمة مستطيلة تؤخذ من الخروف وتزوّق، وحين ترمى على بيت تشيع بين أهله البغضاء والتناحر.

ومن سطح يرتفع أكثر من عشرة أمتار، يبدأ المشهد الاستهلالي للعرض المسرحي "إعزيزة" الذي قُدّم مؤخراً في بغداد. إنه عرض- تجربة، متخمٌ بالاستعارات التي تحيل إلى الأمنيات الخائرة وسط ركام الفجائع، فيجعل من فضاء "منتدى المسرح" وغرفه خشبة مسرحية.

غرف ضيقة مغلقة ونصف مضاءة، جمهور مقسّم إلى مجموعات متساوية تتكوّن كل منها من عشرة متلقين يقودهم مرشد يتنقل بهم من غرفة إلى أخرى. تلك هي عُدّة العرض المسرحي "إعزيزة" الذي يقترب من التجربة المسرحية البعيدة عن عناصر العرض التقليدي.

لا يجمع بين جمهور العرض سوى الصالة الرحبة التي تتوسّط الغرف والتي شهدت وقائع الاشتغال على مشهدي الافتتاح والختام. متغيّرات وإيقاعات سريعة داخل الباحة، جثث وأشلاء ودماء، تقابلها حركة بطيئة للـ"إعزيزة"، التي تتحرك في أرجاء المكان دون ملامح. تصطدم بك على هيأة امرأة غامضة تلتف بالسواد أو رجل يفترش الأرض ويقوم بكنسها بحركة بطيئة رتيبة.

مخرج المسرحية باسم الطيب درس في بلجيكا، وقد شاركه في كتابة بعض مشاهد "إعزيزة" الممثلون أنفسهم. اختار أحمد نسيم الكاريكاتير ليضع مسلسلاً محكماً لحياة شاب أحبطه المجتمع ورمى به إلى هامش البياض. شروق الحسن تقتل نساء وتحيل أجسادهن إلى أشلاء لأنهن اخترن الحرية ورفضن وصاية المجتمع الذكوري، فيما يقدم أمير البصري مقترحاً لتغيير المناهج التدريسية، مستبدلاً أصوات السلم الموسيقى بأصوات الرصاص.

مجموعة من الشخصيات التي تدعو رغم ذلك للابتسام وسط الخراب، وهي تقدّم الشاي المعدّ عبر أكياس جاهزة تتدلى من خيوط متأرجحة، وعلب الكوكا كولا على المتفرّجين، لتثير سؤال العرض الجوهري؛ "من رمى عظمة الـ"إعزيزة" على العراق؟".

أما المتلقي الجالس في محطات انتظار متحوّلة، فهو بين متاهات غرف "منتدى المسرح" الذي احتضن التجربة، والتي يوظفها المخرج لينتقل بالمتلقي من حالة الحياد إلى حالة الترقب نحو لحظة المواجهة، حيث مشهد المرآة الكبيرة التي تختزن الإجابة على سؤال يطرحه المرشد؛ "من يصنع بغداد الجميلة؟".

عرس الجنازة، وهو المشهد الأخير في العرض – التجربة، يختزل الكثير من القسوة التي تسود المشهد اليومي العراقي. مفاجأة سارة يفجّرها ممثل وسط حشد الممثلين؛ "سأموت موت الله"، أي أنه سيموت ميتة طبيعية. فما الذي يريده العراقي سوى الموت المعلن على فراش وثير في بيته بعيد عن الموت العبثي المجاني الذي يجتاح المدن.

عندها تهز أهازيج ورقصات الزفاف الشعبية باحة العرض، والفرق هو استبدال كلمة العرس بكلمة الموت في تلك الأهازيج الشعبية المعروفة، لينتهي العرض إلى بقاء الـ"إعزيزة" (الممثل مصطفى الصغير) وحيداً على المسرح يرقص بانتشاء.

دلالات

المساهمون