الاسم العربي الجريح: علاماته المهاجرة

الاسم العربي الجريح: علاماته المهاجرة

16 مارس 2015
مقطع من لوحة لـ السيد / تونس
+ الخط -

رغم أن كل مفاضلة تنطوي على نسبة من المبالغة، فبإمكاننا أن نؤكد أن كتاب "الاسم العربي الجريح" هو من أهمّ كتب الخطيبي، إن لم يكن أهمّها على الإطلاق. لا تكمن هذه الأهمّية فحسب في ما كان للكتاب من مفعول، وما خلفه من أثر امتدّ خارج المغرب، بل خارج الثقافة العربية.

يشهد على ذلك ما كتبه رولان بارت معترفاً بأنه، وإن كان يقتسم مع الخطيبي الاهتمام بالأشكال نفسها، إلا أن صاحب "الاسم الجريح" علمّه جديداً خلخل معرفته: "لأنه يغير مكان هذه الأشكال كما أراها، فيأخذني بعيداً عن ذاتي، إلى أرضه هو، حتى إني أحس كأنني في الطرف الأقصى من نفسي". يمتد جرح الهوية إذاً خارجاً ليطال من يشاركون الخطيبي ولعه بدراسة الدلائل و"العلامات المهاجرة" Les signes migrateurs بتعبير الخطيبي نفسه.

إلا أن أهمية الكتاب تعود أيضاً إلى جرح آخر، وأعني ذلك الذي أحدثه سواء في الموضوعات التي تناولها، أوالمنهجية التي اعتمدها، ساعياً إلى هدم الهوّة التي تفصل المكتوب عن الشفوي، والجسد عن الروح، والصورة المرسومة عن النص.

ظهر الكتاب بداية السبعينيات من القرن الماضي، حيث كان المتخيل الشعبي سجين علائق قوة متشابكة، وحيث كان البحث فيه، إن لم ينظر إليه على أنه من المحرّمات، فقد كان يخضع لمنهجية أحادية الرؤية، تقليدية الطابع، وحتى إن لوّحت بالمنهج الماركسي، فقد كان ذلك بعين تحجبها الأيديولوجيا، هذا إن لم يقتصر الأمر على النظرة الإثنلوجية بما يحكمها من خلفية استعمارية تسعى جهدها كي تحدد علاقتها بـ "الأهالي".

رصد "العلامات المهاجرة" فرض على المؤلف الاهتمام بمنظومات دالة متعددة تتعقب مكونات الثقافة الشعبية في مختلف مظاهرها من وشم وأمثال وحكايات شعبية، وكل ما اعتبرته الثقافة العالمة من قبيل الهوامش. غير أن ما يرمي إليه صاحب "الاسم الجريح" هو هذا الهامشي بالضبط، لا لكي يعيد إليه الاعتبار فحسب، وإنما ليعيد النظر في دلالته ذاتها.

وهذا ما سيتضح فيما بعد في كتاب "فن الخط العربي" حيث يتبين أن الهامش ليس هو ما يوجد "تحت" ولا ما يمكث في "الأطراف"، وأن علاقة الهامش بالمركز ليست علاقة داخل بخارج، وأن الهامش لا يوجد في منأى عن المركز مستقلاً عنه، بل هو دائماً مشدود إليه عالق به إلى حدّ أننا يمكن أن نقول إنه المركز ذاته في تصدّعه وابتعاده عن نفسه. فهو ما يشكل فضيحة المركز، وما يكشف عن ضعف ما يدّعيه من مركزية. الهامش هو الحركة التي تشهد أن كل داخل ينطوي على خارجه، وأن المنظومة تنطوي على ما يفضحها. إنه القوى المتنافرة والتوترات التي تصدّع المركز وتزحزحه عن ثباته.

لعل أهم مظاهر هذه الزحزحة في كتاب الخطيبي هي إعادة الاعتبار للجسد، والنظر إلى مختلف المنظومات الدالة التي يدرسها بالضبط في علاقتها بالجسد، بهدف متابعة القنوات والمسالك الملتوية التي تنهجها الثقافة الشعبية للتعبير عن ذاتها، وخلق بعض الجروح والتصدعات في ما يعمل كثوابت، وما تعمل مختلف السلطات على تحنيطه.

المساهمون