ليس فقط كاتباً يتعذّر تجنّبه

ليس فقط كاتباً يتعذّر تجنّبه

16 مارس 2015
جاك دريدا (تصوير: ريتشارد ميلو)
+ الخط -

العلاقة التي ربطت الفيلسوف الفرنسي (من أصل جزائري) جاك درّيدا والكاتب والمفكّر المغربي عبد الكبير الخطيبي، لم تكن فقط ذات طابع شخصي، بل ارتكزت على تواطؤ فلسفي عميق. وهذا ما يفسّر إطلاق الخطيبي ورشة ترجمة أعمال درّيدا إلى اللغة العربية وتخصيصه أحد آخر أبحاثه الفلسفية له؛ وقد حمل هذا المؤلَّف عنوان "جاك درّيدا، طبعاً" (2008)، ويتضمّن حوارهما الفلسفي الذي بقي مفتوحاً على مدى عشرين عاماً.

وهذا ما يفسّر أيضاً عدم تفويت درّيدا فرصة من دون التعبير عن إعجابه بمنجزات صديقه وقرابته الفكرية معه، خصوصاً في ما يتعلق بمواضيع العلاقة مع اللغة الأم وازدواجية اللغة والتعددية الثقافية، وبمفهومَي "المركز / الهامش" والشمولية متعددة المراكز.

قرابة وإعجاب يتجليان بشكلٍ واضح في الشهادة التي قرأها درّيدا في إحدى الندوات، واستخدمتها دار "لا ديفيرانس" الباريسية كفاتحة لأعمال الخطيبي الروائية والسردية الكاملة، بمناسبة جمعها في مجلدٍ واحد صدر عام 2007.

في ما يلي الترجمة العربية لنصّ هذه الشهادة:


"مثل كثيرين، أعتبرُ عبد الكبير الخطيبي كأحد أكبر كتّاب عصرنا وشعرائه ومفكّريه الناطقين باللغة الفرنسية، وآسف لأنه لم ينل الدراسة التي يستحقها في البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية. يهمّني أن أشير إلى أن أعماله، المعترف بقيمتها بشكلٍ واسع في العالمين العربي والفرانكفوني، هي ابتكارٌ شعري هائل، وفي الوقت ذاته، تأمّلٌ نظري متين يرتبط، من بين موضوعات كثيرة، بإشكالية ازدواجية اللغة وازدواجية الثقافة.

ما يصنعه الخطيبي باللغة الفرنسية، ما يمنحه إياها بترك بصمته فيها، يتعذّر فصله عما يحلله من هذه الحالة، في أبعادها اللغوية، طبعاً، ولكن أيضاً الثقافية، والدينية، والأنتروبولوجية، والسياسية. حسّاسٌ بنوعٍ خاص لمسعاه (خصوصاً، لكن ليس فقط، بسبب أصولي المغاربية)، حاولتُ أن أقول ذلك، بطريقة تعبّر عن امتناني وقرابتي، خلال ندوة جمعتنا منذ بضع سنوات في "جامعة لويزيانا" (نظّمها الشاعران إدوار غليسان ودايفيد ويلس)، وخلال ندوات دولية أخرى.

عبد الكبير الخطيبي ليس فقط كاتباً "يتعذّر تجنّبه"، كما يقال، لمَن يهتم بالأدب الفرنكفوني لهذا القرن، بهذا الأدب حيثما يفيض، ويفكّر، ويحوّل الثقافة الفرنسية، وحيثما يشهد على التاريخ السياسي، والاستعماري، وما بعد الاستعماري، الذي يربط فرنسا بمستعمراتها ومحميّاتها السابقة. فأعماله هي أيضاً "قدوة"، من جهة أخرى، لمَن يهتم بمشاكل "التعددية الثقافية" و"حالة ما بعد الاستعمار" كما يشغف بها اليوم، بشكلٍ مبرَّر، كمٌّ من المثقفين والجامعيين والمواطنين من جميع الأصول".


* ترجمة عن الفرنسية: أنطوان جوكي

دلالات

المساهمون