هاملت.. الفتى يحب الثرثرة

هاملت.. الفتى يحب الثرثرة

01 مارس 2015
تصوير: تريستام كنتون
+ الخط -

هل تكلّم هاملت مع أحدكم يوماً؟ وهل رددتم عليه؟ هذا هو هاملت شكسبير وقد تحول إلى ثرثار كما يقدمه المخرج الألماني توماس أوسترماير في مسرحية "هاملت" التي يعاد عرضها في 14 و 15 آذار/ مارس على خشبة "شاوبونة" في برلين.

تستحوذ هذه الشخصية على معظم الكلام في العرض الممتد إلى ثلاث ساعات تقريباً، ويتكلّم هاملت عن الجميع ومع الجميع، مع نفسه والجمهور وشخصيات المسرحية التي يفتعل الجنون أمامها. يتحدث إلى الجمهور باللامبالاة نفسها وبالتردد نفسه إن رد أحد المتفرجين.

يبدأ العرض بمونولوغ هاملت الشهير "أكون أو لا أكون"، لنتساءل ما الذي سيقدّمه المخرج بعد افتتاحية من عِيار "أكون أو لا أكون؟". ثم لا تلبث أن تتحول هذه العبارة إلى لازمة يرددها هاملت مراراً وتكراراً، وكيفما أراد. يستحوذ هاملت بمونولوغاته وجنونه ومسرحيته على أحداث العرض، لا ينصت لما تقوله الشخصيات، فهو محتصر بذاته وأسئلته التي يبدأها بالسؤال الصعب: أكون أو لا أكون!

يعلّق الناقد البولندي يان كوت في كتابه "شكسبير معاصرنا" (نقله إلى العربية جبرا إبراهيم جبرا)، أنه وإذا حاولنا أن نحصي عدد عناوين الدراسات، فقط، التي أجريت حول مسرحية هاملت في العالم، لخرجنا بكتاب أضخم من دليل أرقام الهواتف. وينطبق الأمر على عدد المرّات التي عرضت فيها هذه المسرحية.

قام أوسترماير بتقديم هذا النسخة من "هاملت" وجال فيها العالم منذ إنتاجها سنة 2008 (عُرضت في رام الله عام 2012)، كما قدّم مسرحيات أخرى لشكسبير منها "ريتشارد الثالث"، وتعرض الليلة على "شاوبونة" الذي يديره أوسترماير نفسه.

للمخرج صاحب "عدو الشعب" و"الثعالب الصغيرة" باع طويل في المسرحيات المتمردة، فقد أخرج العديد من عروض موجة الكتابة المسرحية البريطانية التي عُرفت بـ "مسرح في وجهك" (in yer face theatre)، فقدّم عرض "مضاجعة وتسوّق"، كما قدم مسرح شاوبونه، تحت إدارته، العديد من نصوص البريطانية ساره كين المتخصصة بكتابة هذا النوع من المسرحيات.

وهاهو أوسترماير يقدم "هاملت" العابث بكل شيء، والذي يتمرّغ في التراب والطين ويلوّث كلاوديوس وجهه بالطعام، يتحدّث مع الجمهور ويفعل ببعض المتفرجين ما يفعل بنفسه، لا حصانة لأحد من جنون هاملت.

الجميع أراد أن يكون هاملت بدءاً بطالب التمثيل في سنته الأولى وانتهاء بغوته. والكثيرون، إن لم يخرجوها أو يمثّلوها بعد، فهم بصدد فعل ذلك. لكن أوسترماير يضعنا أمام السؤال الحقيقي، هل نرغب جميعنا بأن نكون هاملت فعلاً؟ ذلك الفتى الذي توهّم أن عمه وأمه قتلا أباه وتزوجا، وصاحب الحق المستلب الذي تحول إلى مجرم بسبب تهوره؟ هل نريد أن نكون مكانه فعلاً؟

هذا العمل، الذي قال عنه ممدوح عدوان في إحدى المرات "لو قتل هاملت عمّه لما كان هناك مسرحية أساساً"، تناولته دراسات نقدية كثيرة بحثت في امتناع هاملت عن الثأر لأبيه. وانتقد ت. س. إليوت شكسبير معتبرأ أنه ملأ شخصية هاملت بانفعالات عديدة، لن يستطيع أي فعل، حتى لو كان القتل، أن يفرغ شحناتها، وذلك ضمن طرح إليوت لمفهوم البديل الموضوعي (أو المعادل الموضوعي في ترجمة أخرى). وبالطبع هناك الدراسات التي ترى أن الوازع الديني أو عقدة فرويد كانا من أسباب امتناعه عن القتل.

وبعد الحديث مع "هاملت" والخروج من العرض، نجد أن ما قدمه أوسترماير هو إجابة أخرى: لم يقتل هاملت عمّه إلا لأن هذا الفتى يحب الثرثرة وتكرار الكلام لا أكثر. بالفعل، هناك هاملت ما داخل كل واحد فينا.

دلالات

المساهمون