آسيا جبار.. ولسانها الجريح

آسيا جبار.. ولسانها الجريح

20 فبراير 2015
(تصوير: إرميلي يونغ)
+ الخط -

تعرّفت إلى آسيا جبار في روما في نهاية 1995. ثم التقينا مرات عديدة خلال زياراتها لإيطاليا، وكان آخرها في تورينو عام 2005، حيث جاءت لتتسلّم جائزة "غرينزاني كافور".

أذكر أنه بعد الحفل اقترب منها مراسل إحدى القنوات التلفزيونية العربية وطلب منها تعليقاً. بدت آسيا جبار مرتبكة ومحرجة للغاية. قالت له بالفرنسية ثم بالإنجليزية: أنا لا أتحدث العربية، فردّ عليها المراسل بعفوية: يا للعجب، أنت جزائرية ولا تتكلمين العربية!

عندئذ قدّمت كاتبتنا التفسير نفسه الذي سمعته منها مراراً: "ليس ذنبي، فقد حرمني الاستعمار الفرنسي من تعلّم العربية".

إحقاقاً للحق، لم أقتنع يوماً بهذا التفسير، فقد وُلدتُ وتربّيتُ في جزائر الاستقلال التي اعتاد آباؤنا على عدم تحمّل مسؤولياتهم وتعليق كثير من أخطائهم على شماعة المستعمِر.

كان عمر آسيا جبار 26 عاماً حين نالت الجزائر استقلالها. كان لديها الوقت الكافي لتعلّم العربية، لكنها لم تفعل. لماذا؟ هل ينطبق عليها ما قاله فرانز فانون عن عقدة المستعمَر وكراهية الذات؟ هل رفضت تعريب لسانها لأنها كانت ضد سياسة التعريب وأحادية اللغة؟

خلال خطاب انضمامها إلى الأكاديمية الفرنسية عام 2006 وصفت آسيا جبّار الاستعمار الفرنسي بأنه "جرح عظيم" وكررت كلمة "جرح" خمس مرات. وربطت هذا الجرح العميق بحرمانها من الأمازيغية والعربية.

عاشت الكاتبة الجزائرية مجروحة اللسان وحاولت أن تجد مخرجاً في السينما، إذ كان مشروعها أو حلمها أن تبدع ككاتبة بالفرنسية ومخرجة سينمائية بالعربية. للأسف لم تتلقّ دعماً من المسؤولين عن الحقل السينمائي في الجزائر بل وضعوا العوائق في طريقها. هكذا فشلت حيث نجح أحد أعمدة الأدب الجزائري كاتب ياسين الذي جمع بين الكتابة بالفرنسية والمسرح بالعامية الجزائرية.

في لقائنا الأخير، قالت لي إنها تخشى من رد فعل الجزائريين بعد قبولها الانضمام إلى الأكاديمية الفرنسية. لقد رافقها هذا الخوف طوال حياتها.

لا يمكن المزايدة على جزائرية آسيا جبار ومولود فرعون ومحمد ديب ومولود معمري ومالك حداد وكاتب ياسين وطاهر جاووت ورشيد ميموني وغيرهم ممن أثروا الأدب الجزائري رغم اختيارهم اللغة الفرنسية أداة للإبداع.

غير أنهم رحلوا دون أن يقدموا لنا أجوبة للكثير من الأسئلة الملحّة: هل الفرنسية جزء من الهوية الجزائرية؟ كيف ينبغي أن نتعامل مع الميراث المفرنس؟ هل الفرنسية فعلاً غنيمة حرب كما قال ذات يوم كاتب ياسين؟

رحلت آسيا جبار مجروحة اللسان وتركت على عاتقنا مسؤولية مداواة جراح اللغة والذاكرة والمخيال والهوية رغم مرور أكثر من نصف قرن على الاستقلال.


* روائي جزائري مقيم في إيطاليا 

المساهمون