روحي الخمّاش: وترٌ سابع من فلسطين

روحي الخمّاش: وترٌ سابع من فلسطين

17 أكتوبر 2015
(الخمّاش في بورتريه لـ أنس عوض)
+ الخط -

حين وفد الموسيقار الفلسطيني روحي الخماش (1923 - 1998) على بغداد عام 1948، وتولّى قيادة الفرقة الموسيقية المسائية، كان وضع الفنون الموسيقية هناك، كما في الوطن العربي، على حاله المتوارث منذ نهاية العصر العبّاسي، أي متأخّراً على المستوى الفني والثقافي.

في هذا الجو، كان من الطبيعي أن يكون له، بثقافته وممارسته في فلسطين، أثر فني بارز في حقول الموسيقى العراقية والعربية، في عدة مجالات؛ من التأليف والتلحين إلى التدريس وإنشاء الفرق الموسيقية والغنائية وتدريبها.

فهو بشهادة أحد تلاميذه، حبيب ظاهر العبّاس، في كتابه "الموسيقار روحي الخماش وتأثيره في الموسيقى العراقية" (1999)، "أحد الرواد الذي ظهروا في العراق، وأنشأوا في أجوائه حركة موسيقية على صحيح العلم وسليم الذوق"؛ بحيث أصبح التعريف به يوضّح جوانب مهمة من مسيرة العراق الموسيقية المعاصرة.

يكشف كتاب "الموسيقار روحي الخماش: سيرة وإنجازات" (2014) لهشام عودة، جوانب مهمّة من حياة وإنجازات الرجل الذي وُصف بأنه أمير في مملكة الموسيقى العراقية، أكثرها أهمية اثنان: الأول إضافته وتراً سابعاً إلى آلة العود، والثاني تدوين المقامات العراقية والغناء الريفي.

كانت إضافة الوتر السابع مهمّة، إذ إنها أكملت مراحل أصوات العود الثلاث: القرار والجواب وجواب الجواب، وحقّقت هدف الحصول على الأصوات الكاملة التي يستوعبها العود، فسهّلت أسلوب العزف والتقنية وارتجال الأنغام واستحضار الخيال الموسيقي الذي يمنح الموسيقار آفاقاً أرحب في صياغة جمله الموسيقية، ويمنح المستمع تسلسلاً نغمياً مريحاً للنفس والسمع.

أما بالنسبة إلى التدوين، أي ترجمة الموسيقى إلى "نوتات"، فكان الخماش أكثر من دوّن المقام العراقي والغناء الريفي دقّةً ونضجاً. حسب شهادة حبيب العباس، مثّل ذلك "أهمّ حدث في تاريخ الموسيقى والغناء العراقي، ثبّت ووثّق للأجيال اللاحقة قراءة المقامات وأغاني الريف".

يقول أحد تلاميذه إنه أحدث ثورة ثقافية في رحاب الموسيقى وعلومها، في قراءة وكتابة النوتة وفي نظرياتها، والتفّت حوله غالبية العاملين في حقل الموسيقى، تراقبه وهو يدوّن من دون الاستعانة بالعود، أو وهو يستمع إلى الارتجالات الغنائية المسجّلة على أسطوانات قديمة، فيدوّنها مباشرة.

هذه الأغلبية كانت تحفظ ألحانها شفاهة بسبب عدم معرفتها لكتابة وقراءة العلامات الموسيقية. ولهذا ازدهرت الحركة الموسيقية بنهضة ثقافية غير مسبوقة على يد الخمّاش الذي كان عازفاً على العود من الطراز الأول، ورائداً في تلحين الموشّحات والقصائد، ومدرّساً مارس التعليم في معهد الفنون الجميلة ومعهد الدراسات النغمية وبيت المقام العراقي وأكاديمية الفنون الجميلة.

رغم ذلك، لم يُجمع من تراثه إلا القليل، من ضمن ما يُعدّ بالمئات، ولم تتعرّف إليه أجواء الثقافة الموسيقية العربية بعامة، والفلسطينية خصوصاً. وعُرف من هذا القليل، حسب ما نُشر من معلومات، حتى الآن، أنه قدّم خلال حياته الفنية نحو ثلاثين موشّحاً، وخمسة عشر ابتهالاً، وبلغت تآليفه لموسيقى الآلات، ما يقارب خمسين مؤلّفاً.

كان وجود هذا الموسيقار، حسب الموسيقار منير بشير، مصدر اطمئنان على حال الموسيقى في العراق، وهو في نظره "لا يقلّ شأناً بالنسبة إلى العراق، عن الجواهري والسياب والرصافي".

يمكنني أن أضيف، وقد استمتعت إليه خلال حفل موسيقي في بغداد الستينيات، ورأيت كيف أوقف الفرقة التي كانت ترافقه لمجرد شذوذ بسيط التقطته أذنه، وجعلها تبدأ مجدّداً، أن حياته ومنجزاته مصدر اطمئنان على حال الطاقة الإبداعية الفلسطينية، فهو لا يقل شأناً عن جبرا إبراهيم جبرا وغسان كنفاني وسميرة عزام وإدوارد سعيد، وسابا جورج شبر.. وعدد كبير من المثقّفين الفلسطينيين الذين توزّعتهم المنافي هنا وهناك.


اقرأ أيضاً: قناطر سيمون شاهين: موسيقى ضد الصور النمطية

دلالات

المساهمون