قناطر سيمون شاهين: موسيقى ضد الصور النمطية

قناطر سيمون شاهين: موسيقى ضد الصور النمطية

30 اغسطس 2015
+ الخط -

يُمكن في حقلَي الأدب والسينما، بشيءٍ من السهولة، الإمساك بالنفَس الاستشراقي الذي يقدّمه الكاتب أو المخرج (العربيان) من خلال تنميط مجتمعاتهما وحصرها في صور جاهزة تُدغدغ المتلقّي الغربي، وتكرّس لديه صورة رائجة عن المجتمعات الشرقية.

في المقابل، ليس من السهل الإمساك بموسيقيّ يمارس الاستشراق على نفسه؛ لأنّ الموسيقى لا تعتمد على نصّ مكتوب أو سردية بصرية، ينقلان بوضوحٍ وشفافية التصوّرات والرسائل التي يريد القائم على أحدهما إيصالها.

تحضر هنا تجربة الموسيقي الفلسطيني سيمون شاهين (1955)، الذي غادر الجليل متوجّهاً إلى نيويورك عام 1980. وفي حين أن هناك الكثير من الفنانين العرب الذين ذهبوا إلى الغرب، وقدّموا تنازلات تسهّل رواجهم في البيئة الجديدة التي يحاولون الذوبان فيها، لم يخض عازف العود (والكمان) معركة إثبات ذاته موسيقياً من خلال إخضاع آلته لأداء موسيقى الروك مثلاً؛ كي يؤكد للمستمع هناك، أن الآلات الشرقية تستطيع استيعاب تلك الأنماط الموسيقية "العالمية".

كان ذلك بعد أن وجد شاهين أن فئات كثيرة من المجتمع الأميركي، تنظر إلى الموسيقى العربية من زاوية استشراقية بحتة؛ إذ ترى فيها مجرّد طبّالٍ وراقصة.

في عام 1992، صدر لشاهين ألبوم "تراث". عملٌ يضّم 11 قطعةً، أعاد فيه توزيع مقطوعات قديمة، تنتمي إلى التراث المشرقي، خصوصاً العربي والتركي. لم يلجأ شاهين في "تراث" إلى إعادة توزيع المقطوعات على آلات غربية، بل استند إلى التخت الشرقي، لكنه أضفى أسلوبه الخاص، إن كان في عزفه على آلة العود، أو في التوزيع.

مثلاً، في مقطوعة "سماعي فرح فزا"، التي وضعها الموسيقي التركي جميل بيك الطنبوري، ثمّ أعاد توزيعها موسيقيون كثيرون، نجد أن شاهين أبرز جُملاً لم يركّز عليها غيره ممن اهتمّوا أكثر بـ"التسليم" فيه، بسبب شاعريّته ربّما. ركّز شاهين أكثر على إبراز الخانات، التي يُلاحظ المُصغي إليها مدى غناها وتنوّع جملها الموسيقية.

عموماً، شكّل هذا العمل، إلى جانب "موسيقى محمد عبد الوهاب" (1990)، مقولة شاهين للغرب: هذه موسيقانا. كانت هذه المقولة بمثابة دعوة لتغيير الصورة النمطية الاستشراقية المتكوّنة في ذهن المُستمع الغربي. لاحقاً، وبعد تأكيده هويّته وأصالتها، راح شاهين يقدّم أنماطاً موسيقيّة مختلفة، من دون أن يحصر نفسه في الشرقية فقط.

هكذا، أسّس فرقة "قنطرة"، وأصدر معها ألبوم "اللهب الأزرق" في عام 2001. عملٌ مزج الموسيقى العربية بالجاز، محافظاً على تفرّد وخصوصية كل واحدة منها، من دون الانهماك في تقصّي أدلّة تقول إن الموسيقى العربية ليست قاصرة. بل قال: ها هي واسعة ومرنة ودائمة التجدّد.

من الأمثلة اللافتة في "اللهب الأزرق"، قطعة عنوانها "رمال متماوجة". ألّف شاهين هذه المقطوعة على قالبٍ شرقيّ بحت، هو "التحميلة"، لكنّه لم يستند هذه المرة إلى التخت الشرقي، ولا حتى الموسيقى الشرقية فقط، بل وزّعه على آلات مثل الترومبيت والغيتار الكهربائي، إلى جانب آلات شرقية مثل العود.

قبل هذا الألبوم، في عام 1997، أصدر "سلطانة"، مع الموسيقي الهندي فيشوا موهان بهات. عمل ضمّ خمس قطعٍ وُضعت جميعها على قالب التقاسيم. العود أو الكمان لشاهين، بينما آلة الـ موهان فينا، كانت لبهات، والحوار لكليهما، كلّ على آلته. فبينما يعزف الأول تقاسيمه على أحد المقامات العربية، يواصل الآخرُ تقاسيمه على الراغا الهندية التي تتقاطع كثيراً مع موسيقانا.

خَلَت جميع تلك الأعمال من الادّعاءات التي ترمي إلى "الحوار بين الشرق والغرب" أو "أنسنة الموسيقى"، لقد كانت حصيلة فهمٍ واعٍ لكلّ نمط ولكلّ آلة، مكّن صاحب "رقص متوسّطي" من استخلاص مقولته الموسيقية بمرونة ومن دون أي مزاعم بابتكار أنماط جديدة.

المساهمون