"يرموك ـ ليكس": تسرّب ثقافي

"يرموك ـ ليكس": تسرّب ثقافي

بيروت

خالد الإختيار

avata
خالد الإختيار
11 مارس 2014
+ الخط -

فيما أصوات الرصاص والقصف تهزّ أركان المكان في الخارج، تمرّ الكاميرا بالأبيض والأسود على وجوه أفراد عائلة تجلس واجمة حول "تنكة" حطب يُراد لها أن تدفئ وتضيء.

لعلّ هذه اللقطات (دقيقة و48 ثانية)، هي المشهد الوحيد المكتمل من مقطع فيديو (8 دقائق) للمخرج الفلسطيني محمد بكري (1953). مقطعٌ تناهبته مواقع الاتصال الاجتماعي أخيراً، قبل أن ينتهي به المطاف إلى صفحات الثقافة في بعض الجرائد "الرصينة".

"يرموك"، وهو اسم الفيديو، يروي سينمائياً، في ما بعد، قصة والد يلجأ إلى بيع ابنته محصّلاً مبلغاً من المال يساعده على إطعام بقية أطفاله في المخيم الفلسطيني المحاصر قرب دمشق. وهنا ينتهي الفيديو المسجّل، لتبدأ مشاهد فيديو آخر، حي ومباشر، لقطاته تعليقات افتراضية شتائمية، ومقالاتٌ فَرَضيّةٌ تخوينية. وفي النهاية، صنانير كثيرة مرمية في الدم الفلسطيني الذي لا تعوزه مناسبة جديدة ليُسفك.

لم تُعرض المادة الفيلمية على أي منبر سينمائي حتى الآن، لسبب بسيط هو أنّ مخرجها يقول إنّها لم تكتمل بعد. ولعل جناية محمد بكري، مخرج فيلم "جنين جنين"، على نفسه تكمن في استسهاله سلوك ذلك المنحى "التجريبي" المتمثّل بعرض مادته، قبل انتهائها، على الاستفتاء "الانترنيتي" الشهر الماضي. وهو أمر استتبع توريطاً مجانياً لبعضهم كي يذمّوا ويقدحوا فيه، وللمدافعين كي ينبروا وينافحوا عنه، في حين أنّ موضوع الجدل أصلاً لا يعدو كونه، إلى الآن، مجرد عمل فني غير ناجز. نقطة على السطر.

بيد أنّه من العسير علينا تجاهل "التصحيفات" النقدية التي تناسلت سريعاً في بعض الجرائد والمواقع الالكترونية، لكونها تطرح بشكل غير مباشر سؤالاً جوهرياً حول مبدأ إسقاط بعض أنماط العمل الصحافي القائم على التسريبات ومصائد الـ"ويكيليكس" والـ"باباراتزي" على العمل الثقافي والإبداعي اليوم. وهو أمر لا يمكن أن يمرّ هكذا، اعتباطاً، من دون مساءلة. إذ لم تكن صفحات الثقافة في عالمنا العربي تعاني من أي نوع من أنواع الفقر بدرجات اللون "الأصفر" في مطابعها، أو بعناوين "التابلويد" في إدارات تحريرها قبل 2011، والاستمرار على هذا النهج لا يشي إلا بنوع آخر من الفقر، وهو فقر المهنية، والمصداقية، بل والأنكى: فقر الخيال.

وإلا مَن ذا هو الناقد الذي يخطف مخطوط مسوّدة قصيدة من دُرجِ شاعرٍ ثمل، ويدبّج مقالاً نقدياً عنها، ويجد له بالمقابل من يدفع له مالاً عن ذلك؟ (تُعفى من السؤال الصحافة الممانِعة في بلد يحكمه ديكتاتور متنوّر، أو 18 ديكتاتور طائفي). أم علينا أن نتوقع قريباً "تخريصات" ثقافية في صحفنا من قبيل "فيلمليكس"، و"شعرليكس"، و"مسرحليكس"؟

أمّا الادعاء بأنّ محمد بكري كذب في بيانه، الذي أصدره بعد ساعات على المعمعة التي سادت، قائلاً إنّ عمله "غير مكتمل"، فهو ولوجٌ أرعن في دوّامة محاكمة النوايا، والتي لن تشذّ، في حال استمرّت مرافعاتها العبثية تلك، عن كونها فرعاً جديداً لـ"محاكم التفتيش" و"أمن الدولة" القديمة ـ الحديثة.

على أنّ الانتقائية في التعاطي مع "فيسبوك" و"يوتيوب"، كمصدر نهائي للخبر، أمرٌ مثير للجدل بدوره، خاصة إنْ أتاك ممّن يدمن على شتم وسائل الاتصال الاجتماعي، والتشنيع "على مَن" عليها عندما تخالف توجهه السياسي. وإلا لماذا لا تُنشر تباعاً كل تلك التعليقات، "الثقافية"، التي تتناول "عرض" و"طول" أسماء أخرى مثل: "أدونيس"، و"زياد الرحباني"، و"دريد لحّام"، وسواهم، ما لم يكن الاستقاء من الافتراضي الآن مجرد عَرَضٍ من أعراض الاستسقاء الفكري المفروض من أولئك المتحكّمين بـ"البروباغاندا" المقابلة؟

الزوبعة، التي علا غبارها في الساعات الماضية، لن يستفيد منها سوى "الحزب الشيوعي الإسرائيلي" ـ بالأحرى مخلّفاته ـ والحزب المستعرب غير الشيوعي، فيما الأجساد في المخيم، البعيد وراء الحصار، لا زالت تهلوس بكسرة خبزٍ تلكوها، في حين يلوك تلك الأجساد هنا مَن يدّعي كذباً أنه يحمل لها الزاد.

أمّا قصة التركيز على "بيع العِرْض" في الحملة الشعواء إيّاها، فلا يجد المرء بدّاً من أن يهزّ أمامها الرأس أسفاً على تلك الأقلام التي "تحسب" نفسها، برياضيات ما قبل الخوارزمي، على "ثقافة" اليسار، ونراها هنا تكرج بسلاسة، في "لاوعيها" المقاوم، إلى حفرةِ "الشرف" التقليدية، بحسب النص الوارد في كتاب "العلوم" للصف الثالث الإعدادي، صفحة 85، درس الجهاز البولي التناسلي للأنثى، الشكل رقم (1).

القدس، ومخيم اليرموك، والجولان، ليست محتلة كلّها فقط منذ وقت بعيد من العدو الصهيوني بشكل مباشر أو بالنيابة، بل أيضاً من استبداد مقيت يدّعي السجود عند أعتاب "باب العمود"، فيما هو لا ينفك يحاول تسلّقه لأغراضه الاستعراضية، وببهلوانيات أيديولوجية ملوية العنق والبوصلة.

إنْ أردتم مناجاة "اليرموك"، فاتركوا المخرج يكمل فيلمه أولاً؛ أمّا إن أصررتم على نقد الأعمال "الفنية" غير المكتملة، فعليكم بنجوى "تل الزعتر"، فذلك "فيلم" لا يريد "مخرجه" أن يترك أحداً حتى الآن كي يكمل روايته.

ذات صلة

الصورة
مظاهرة ضد "هيئة تحرير الشام" في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

تظاهر مئات السوريين، اليوم الجمعة، وسط مدينة إدلب شمال غربي سورية، حاملين شعارات تطالب بتنحي قائد "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني، والإفراج عن المعتقلين
الصورة
مجزرة خان شيخون (عدنان الإمام)

مجتمع

مرّت سبعة أعوام على مجزرة الكيماوي التي ارتكبتها قوات النظام السوري في مدينة خان شيخون بريف إدلب شمال سورية، في الرابع من أبريل/ نسيان 2017..
الصورة
مدينة أعزاز

سياسة

اهتزت مدينة أعزاز بريف حلب، شمالي سورية، بانفجار سيّارة مفخخة ضربت السوق الرئيسي في المدينة، التي تعتبر معقل المعارضة السورية، منتصف ليلة أمس السبت
الصورة

سياسة

شن جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية عنيفة استهدفت كتيبة عسكرية ومستودعات أسلحة في محيط مطار حلب الدولي، ما أسفر عن سقوط 42 قتيلاً.

المساهمون