الفيلم القصير.. ليس وراءه إلا صاحبه

الفيلم القصير.. ليس وراءه إلا صاحبه

13 نوفمبر 2014
من "ميسّي بغداد" لـ سهيم عمر خليفة (العراق، 2012)
+ الخط -

للفيلم القصير قيمة جمالية تختلف عن تلك التي يتميز بها الفيلم الطويل. إنها قيمة اقتصاده في الزمان والمكان، ولعبه على وتر الكثافة في الصورة، واختزالها وشحنها، ليشبع فكرةً واسعة في دقائق معدودة.

بدأ الفيلم القصير، أخيراً، يحجز لنفسه فضاءات رحبة في المهرجانات السينمائية العربية. وأصبح يُعترف به كفنٍ مستقل بذاته. حتى أنّ فئة واسعة من المخرجين ترى أن المستقبل السينمائي له، بحكم أن المتلقي يُساير الوتيرة التي يعيشها عصره. على أي حال، كثرٌ هم مخرجو الأفلام القصيرة المتفائلون، ممن يرون فيها مستقبلاً للسينما. لكن، لكي تجد الأفلام القصيرة مكانة أفضل، فإن هناك عقبات لا بد من تجاوزها، كما يرى البعض.

الكاتب والمخرج المصري محمد عادل يرى أن مشكلة التصنيف هي إحدى المشاكل التي يجد مخرج الفيلم القصير نفسه أمامها. عادل يبدي تحفظه على كلمة "نوع"، قائلاً إنها "أفَلام، طَالت أو قَصُرت مُدتها. وللأسف، هذا التَصنيف أبعدها كَثيراً عن الجُمهور، أو الناس العاديين، الذين قد يرون أن تحديد الإعلام لهذا النوع بهذه الطريقة يعني أنه نوع بعيد عنهم، أو لا يُعبر عن مشكلاتهم، أو أنها "أفلام دمها ثقيل" ومخصصة للمهرجانات فقط".

ويضيف صاحب "حُلوان وأنا" أن المشكلة أيضاً تأتي من الرقابة، مشيراً إلى معاناته الشخصية معها ككاتب سيناريو لفيلم من إنتاج إحدى الجهات الحكوميّة في مِصر. ولدى الرقابة، بشكل عام، حيّز كبير لمواجهة الأفلام القصيرة، رغم مرونة هذه الأخيرة أيضاً في مواربة الرقيب أو التهرب منه.

غير أن الشريط القصير، الآتي أساساً من موقع الاختلاف والمعارضة، يفتقر لجهة تقف وراءه، جهة إنتاجية مثلاً، تحميه، تستخرج التصاريح اللازمة له، وتسهّل تنفيذه، كما هو الحال في الفيلم الطويل. الفيلم القصير ليس وراءه إلا صاحبه.

تتفق المخرجة المصرية دينا علي مع عادل. وتضيف إلى صعوبات استخراج التصاريح، مشكلتَي التكلفة والتوزيع. وفي ما يخص كلف إنتاج الأفلام القصيرة ومشاريع دعمها، تبيّن المخرجة الموريتانية مي مصطفى أنّ صناديق دعم الأفلام القصيرة في المهرجانات العربية "تذهب إلى مَن ليسوا بحاجة للدعم".

وتلفت إلى أن "الجوائز والمنح التي تُقدم، يعود بعضها لأسباب سياسية أو لمصالح معينة، في حين يتم تجاهل المخرجين الشباب الذين لا تُظلّهم مظلّة هذه المصالح". وتذهب صاحبة الفيلم القصير "النهاية" إلى حد اتهام "المنتجين الكبار" بمحاربة الفيلم القصير في العالم العربي بهدف أن تبقى الأفلام التجارية في الواجهة.

لكن مهما بلغت كلفة إنتاج الأفلام القصيرة، تظلّ متواضعة أمام تلك الطويلة والتسجيلية، وكثيراً ما تكون ملجأً ومهرباً للمخرجين ممن لا يقدرون على توفير كلف إنتاج مناسبة لمشاريعهم. يبيّن المخرج المصري عمروش بدر أن "لا شك في أن الأفلام الروائية الطويلة تحتاج إلى تكلفة كبيرة - العبء الذي لا يقدر المخرج الجديد على تحمّله. لهذا، توفر الأفلام القصيرة فرصة له". غير أن بدر يلفت، في المقابل، إلى أنّ ذلك لا يلغي وجود إنتاجات عديدة لأفلام قصيرة بميزانيات ضخمة.

السؤال حول مستقبل الفيلم القصير في البلاد العربية بات مشروعاً اليوم، في ظل الثورة التقنية التي نعيشها، وفي الوقت الذي لم يعد مقتصراً فيه على المشاريع الطلابية والمهرجانات المتخصصة. غير أنه لا بد من القول إن قلة نادرة جداً من المشتغلين في الفن السابع، اختاروا البقاء في عوالم الفيلم القصير عندما أتيح لهم إنتاج أشرطة طويلة. بهذا، يكاد الشريط القصير يشبه المدخل إلى الفن السابع، حيث سرعان ما يؤخذ كثير من داخليه بإغراءات الشريط الطويل وامتيازاته، فنية كانت أو تجارية.

المساهمون