يحيى فكري.. ناشر تهمته مناقشة كتاب لعلاء عبد الفتاح

يحيى فكري.. ناشر تهمته مناقشة كتاب لعلاء عبد الفتاح

27 سبتمبر 2022
وقفة تضامن مع علاء عبد الفتاح والسجناء السياسيين، في حزيران/يونيو 2014 (Getty)
+ الخط -

في الساعات الأخيرة من مساء أوّل من أمس الإثنين، أخلت قوات الأمن المصرية سبيل الناشر وكاتب السيناريو يحيى فكري، مدير دار "المرايا للثقافة والفنون"، بعد اعتقال وتحقيق داما لأكثر من 24 ساعة، على خلفية اتّهامات متعلّقة ظاهريًا بـ"مصنّفات فنّية"، لكنّها تحمل في الواقع دلالات سياسية أعمق.  

ومَثلَ فكري أمام نيابة عابدين صباح الإثنين، بعد قضاء ليلة الأحد في قسم شرطة عابدين، وذلك إثر مداهمة قوّة من "مباحث المصنّفات الفنية"، مقرّ "المرايا" في وسط القاهرة، مساء الأحد 25 أيلول/ سبتمبر، حيث قضى عناصرُها نحو سبع ساعات في فحص تراخيص الدار وعقود الكتب وأجهزة الكمبيوتر الخاصّة بها. ثم، وحسب ما أعلنته "المرايا" لاحقًا، ففي حوالي السابعة من مساء الأحد، صادرت القوّة المداهِمة نسخًا من بعض إصدارات الدار وبعض العقود مع المؤلّفين، واقتادت يحيى فكري إلى قسم عابدين حيث قضى ليلة الأحد ـ الإثنين.

وحقّقت نيابة عابدين مع يحيى فكري، صباح الإثنين، بعد أن حرّرت "مباحث المصنّفات" محضرًا تضمّن ثلاث مخالفات: "اختلاف عناوين بعض الكتب المنشورة عن العقود الموقّعة مع كتّاب تلك الكتب، وإصدار 'مجلّة مرايا' دون ترخيص من الهيئة الوطنية للإعلام، ووجود بعض الكتب من غير مطبوعات الدار محمّلة على أحد أجهزة الكمبيوتر المحمول الخاصة بالدار في صيغة بي دي إف (PDF)".

حضر التحقيق مع فكري عددٌ من الحقوقيين والمحامين، من بينهم: نجاد البرعي وخالد علي وأنس سيّد، وقدموا، طبقًا لبيان الدار، ما يثبت عدم صحّة المخالفات المدرجة في المحضر، وقرّرت النيابة إخلاء سبيله بضمان محلّ إقامته.

شاركت والدة علاء عبد الفتاح في الندوة التي نظمتها الدار

وفي الحقيقة، جاءت هذه الواقعة بعد 24 ساعة فقط من تنظيم دار "المرايا للثقافة والفنون" ندوةً مساءً السبت، في مبنى القنصلية الفرنسية، لمناقشة كتاب "شبح الربيع" للناشط والسجين والسياسي علاء عبد الفتاح، الصادر في لبنان عن دار "جسور".

ويقضي علاء عبد الفتاح (1981) عقوبة بالسجن خمس سنوات، تنفيذًا للحكم الصادر بحقّه في القضية التي تجمعه بالمحامي الحقوقي محمد الباقر، والمدوّن محمد إبراهيم "أوكسجين"، المحكومين بالسجن أربع سنوات، بتهم "نشر أخبار كاذبة من شأنها التأثير على الأمن القومي للبلاد". وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض على علاء عبد الفتاح يوم 28 أيلول/ سبتمبر 2019 بعد أداء المراقبة الشرطية بقسم شرطة الدقّي، ليعرض في اليوم التالي أمام نيابة أمن الدولة العليا. وجاء هذا الاعتقال بعد أشهر من خروج علاء عبد الفتاح من السجن الذي قضى فيه عدّة سنوات، بين عامَيْ 2011 و2018، بتُهَم متنوّعة. 

وتحدّث خلال مناقشة الكتاب ــ في غياب عبد الفتاح ــ كلّ من والدته، الأكاديمية والناشطة ليلي سويف، والصحافي والباحث الاقتصادي وائل جمال، والصحافية رشا عزب، فيما أدار المناقشة مصطفى الطيب. ونظرًا لضيق القاعة ومحدودية الأماكن، فقد بُثّت الندوة أيضًا عبر الصفحة الرسمية للدار على فيسبوك.

يُشار إلى عدم توفر كتاب "شبح الربيع" في الأسواق والمكتبات المصرية، ومحدوديته في مكتبتَيْ "الشبكة العربية" في بيروت وإسطنبول، وتوفّره إلكترونيًا عبر موقع "النيل والفرات". وكان الكتاب قد صدر عن دار "جسور" في 29 تموز/ يوليو الماضي، في 560 صفحة، ويتضمّن مُختارات من مقالاته وتدويناته وحواراته وأقواله أمام النيابة والمحاكم. كما يُمثِّل العمل شهادة على مرحلة استثنائية في التاريخ المصري المعاصر، ابتداءً من ثورة يناير 2011 وحتى آخر حديث لعبد الفتاح إلى "محكمة جنح أمن الدولة ـ طوارئ"، في ثالث جلسات محاكمته في القضية رقم 1228 بتاريخ 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021.

الصورة
يحيى فكري
الناشر يحيى فكري

وفي مقدّمة الكتاب مدخلٌ قصير بقلم التحرير، ثم تصديرٌ كتبه الشاعر الفلسطيني الراحل مريد البرغوثي (1944 ــ 2021) قبل وفاته عندما كان الكتاب مشروعاً تحت الجمع والترتيب، تليه مقدّمة تحليلية بقلم الكاتب السياسي السوري ياسين الحاج صالح، ثم تقديمٌ كتبه صديق علاء عبد الفتاح، الصحافي المصري الشاب محمد أبو الغيط.

يستعرض الكتاب المواد التي كتبها عبد الفتاح بحسب الترتيب الزمني، وقام التحرير بوضع مقاطع توضيحية بعنوان "تنويه على الأحداث" قبل بعض النصوص، لشرح طبيعة المرحلة والظرف الذي كتب به علاء هذه النصوص. وفي ختام الكتاب وضع التحرير مُلحقاً بعنوان "خطّ زمني لأهمّ الأحداث السياسية في مصر من تشرين الأول/ أكتوبر 1981"، أي منذ تاريخ اغتيال السادات، وحتى تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وذلك لوضع القارئ في الإطار السياسي لتسلسل الأحداث في مصر خلال فترة حكم حسني مبارك وما تلاها، وهي المرحلة التي عاش فيها علاء عبد الفتاح، المولود في تشرين الثاني/ نوفمبر 1981.

وحسب دار "جسور"، فإن الكتاب يضم تدويناً لتفاصيل ومواقف تجاه أهم أحداث المشهد المصري منذ ثورة يناير، "كُتبت بروح ناشط ومُناضل انغمس في الشارع والسياسة وتحدّث عمّا يجب فعلهُ بنزعته التحليلية المركّبة وبوصلته الثورية التي كانت وما زالت تُشير إلى الاتجاه الصحيح، حتى وإن اختلفتَ معه في أحداث ومواقف، وهو منذ سنين يدفع ثمن كلّ ذلك سجناً طويلًا وتنكيلًا مُتواصلًا".

وكان علاء عبد الفتاح، الحاصل على الجنسية البريطانية مؤخرًا وهو في سجنه، قد بدأ إضرابًا عن الطعام في 2 نيسان/ إبريل الماضي، في معركة يحدّد فيها علاقته مع السجن: إمّا يخرج منه للأبد إلى بريطانيا، أو يواصل إضرابه حتى الموت.

يضم الكتاب تدوينات عبد الفتاح حول ما شهدته مصر منذ الثورة

ومؤخّرًا، عدّل عبد الفتاح مطلبه من الإفراج عنه وسفره إلى بريطانيا، إلى "الإفراج عن كل المحتجزين داخل مقرّات الأمن الوطني. الإفراج عن كلّ من تخطوا مدة الحبس الاحتياطي، وهي 18 شهرًا لقضايا الجنح و24 شهرًا لقضايا الجنايات. الإفراج عن كل من صدر ضدّهم أحكام بإجراءات تقاضٍ غير دستورية (وفقا للدستور الجديد) مثل الحبس في قضايا النشر ومحاكم أمن دولة طوارئ. عفو ثلث المدّة عن كل المحكوم عليهم في قضايا لا يوجد بها مجني عليه".

وفي السابق، كان تقدم علاء عبد الفتاح، بطلبين للسلطات المصرية بصفتَيْه المصرية والبريطانية، بعد إعلان حصوله على الجنسية. المطلب الأوّل، كمواطن مصري، يتمثل في انتداب قاضي تحقيقات للتحقيق في كافة الشكاوى والبلاغات المتعلقة بكافة الانتهاكات التي تعرض لها منذ نهار خطفه في أيلول/ سبتمبر 2019 وحتى يومنا هذا. والمطلب الثاني، كمواطن بريطاني، يتمثل في زيارة من القنصلية البريطانية له في محبسه للتداول في المسارات القانونية المتاحة أمامه وتمكينه من التنسيق مع المحامين الخاصّين بأسرته في بريطانيا لاتخاذ الإجراءات القانونية الممكنة أمام القضاء البريطاني، ليس فقط حول ما تعرّض له من انتهاكات، بل كافّة الجرائم ضدّ الإنسانية التي شهدها خلال فترة حبسه.

المساهمون