وقفة مع عبد الحميد الكيالي

وقفة مع عبد الحميد الكيالي

05 مايو 2022
عبد الحميد الكيالي
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة حول انشغالاتها الإبداعية وجديدها وما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "غالبًا ما تنحصر الأكاديميا في حدود الكتابات العلمية من كتب وأبحاث وبلغة وأسلوب متخصصين"، يقول الباحث الأردني في حديثه إلى "العربي الجديد".


ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
يشغلني هذه الأيام على المستوى البحثي أكثر من موضوع. وربما يكون هذا من سمات البحث الذي نبدأه بموضوع محدّد، غير أنه ينتهي بنا إلى آفاق ومجالات متعدّدة. يشغلني في المقام الأول موضوع السلطة في الإسلام الكلاسيكي، وتحديدًا في الفترة التأسيسية من الإسلام، وهي فترة النبي محمد والخلفاء الراشدين، وهو اهتمام مرتبط بمشروع بحثي سأفصل فيه لاحقًا.

كما يشغلني سؤال الإرث الفكري الفاعل في الحاضر، الذي هو في الأصل سؤال التراث الذي يتحول مع الزمن إلى عامل فاعل في محاولتنا الإجابة عن أسئلة الحاضر الأساسية، من قبيل الهوية والموقف من الآخر والفعل الاجتماعي والسياسي. ومما أركّز عليه حاليًا في إطار عملي في "المعهد الفرنسي للشرق الأدنى" بعمّان، تنظيم سلسلة من الحلقات النقاشية حول إعادة قراءة الإرث الفكري العربي- الإسلامي. وقد كانت البداية تعاونًا مثمرًا بين "المعهد الفرنسي" و"المعهد الملكي للدراسات الدينية" في الأردن و"معهد الدراسات الشرقية" في كوسوفو، بتنظيم حلقة نقاشية حول المفكر الألباني شمس الدين سامي فراشري استضافت المؤرخ محمد الأرناؤوط، نتج منها مؤلَّف جماعي بالعربية هو الأول من نوعه حول هذا المفكر الذي لا يزال إرثه حاضرًا وفاعلًا في البلقان وتركيا في مجال العلمانية والدين والتعددية القومية. وهناك نيّة لعقد حلقات مشابهة حول كلّ من ابن تيمية وموسى بن ميمون، آمل أن تكون لها النتائج نفسها.

وأخيرًا وليس آخرًا، يشغلني موضوع الأكاديميا والتأثير الاجتماعي؛ إذ غالبًا ما تنحصر الأكاديميا في حدود الكتابات العلمية من كتب وأبحاث وبلغة وأسلوب "متخصصين"، دون مراعاة التبسيط والوصول إلى منابر اجتماعية أكثر فاعلية وانتشارًا وتأثيرًا في الناس مثل الصحافة والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يمكن تسميته عرض صيغة مبسّطة من العلوم والمعارف تصل إلى الناس وتقترب منهم.


ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
من آخر أعمالي البحثية المنشورة فصل في كتاب جماعي صدر بالإنكليزية عن دار نشر "بريل" Brill، وهو بحث أنجزته بالشراكة مع زميلي حسن أحمد حول إليعزر بن يهودا في محيطه العثماني: الفضاء العام في القدس كما تعكسه "صحيفة هاتسفي" العبرية: 1884 - 1915. ومن المعروف أنّ بن يهودا يمثّل شخصية محورية في مجال إحياء اللغة العبرية الحديثة، وثم في مجال الصحافة العبرية الصادرة في القدس نهاية الفترة العثمانية. ويمثّل هذا البحث أحد نتاجات عملي البحثي في إطار مشروع أوروبي واسع استمر لمدة خمس سنوات (2014 - 2018) مع زميلات وزملاء من أوروبا والعالم العربي وتركيا تحت عنوان: فتح أرشيفات القدس: سؤال المواطنة في القدس بين عامي 1840-1940، حيث عملت أيضًا على سجلّات بلدية القدس نهاية الفترة العثمانية والتي وجدت طريقها إلى النشر إلكترونياً على موقع المشروع. 

عملي القادم بحثٌ حول جذور تداول السلطة في الإسلام

أما عن أعمالي المقبلة فهو بحث أعمل على إنجازه حول سؤال السلطة في الإسلام الكلاسيكي: بحثًا عن جذور تداول السلطة، وهو بحث يندرج ضمن مشروع بحثي ألماني حول تاريخية الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي، وذلك بالشراكة مع معاهد بحثية في العالم العربي ومن ضمنها المعهد الفرنسي حيث أعمل. علمًا بأن هذا البحث سيصدر بالإنكليزية أيضًا عن دار نشر "بريل" Brill.


هل أنت راضِ عن نتاجك؟ ولماذا؟
المصالحة مع الذات والرضا عنها، مسألة مهمّة يندرج في إطارها الكثير من تصوّراتنا وأفعالنا، ومنها ما ننتجه من أعمال في أيّ مجال كان. بالتأكيد هذا الرضا لا ينتج من فراغ، إذ ينبغي دومًا أن يكون مصحوبًا ومبررًا بالجهد والعمل الدؤوب. وربما من المناسب أن أشير هنا إلى ما هو على ارتباط كبير في العمل البحثي، وهما مسألتي التدرّج والمراكمة، فلا يوجد أيّ عمل بحثي يولد كاملًا مهما بُذل فيه من جهد. وهو ما يفتح المجال واسعًا للنقد والمراجعة والتطوير أمام أيّ عمل بحثي عند نشره.


لو قيض لك البدء من جديد أي سبيل ستختار؟
يرتبط هذا السؤال بما سبقه. وما يمكنني إضافته، هنا، أنّ اختياراتنا الواعية وتفكيرنا العميق فيما نقدم عليه من خيارات وما نسلكه من سبل يسهل علينا التقدم فيها. وربما الإجابة بأننا لو قيض لنا أن نعود في الزمن إلى الوراء وأن نختار لن تكون إلا ما اخترنا. وقد يكون من الإيجابية أن ننصرف دومًا إلى تطوير مهاراتنا وأن نمتلك رؤية واضحة لما نسعى إلى تحقيقه، وأن نكرّر المحاولة رغم الإخفاق أحيانًا مع احتفاظنا بثقتنا بأنفسنا وبما نملكه من قدرات.

وددتُ لقاءَ ابن سينا والفارابي وابن ميمون وابن رشد


ما هو التغيير الذي تنتظره وتريده من العالم؟
من المشروع لأيّ منّا أن يُطلق مخيلّته لما يمكن أن يكون عليه العالم. وهو ما سبقنا إليه ليس فقط الكثير من الفلاسفة والمفكرين، وإنما الكثير من بسطاء الناس الذين لم يسجّل التاريخ كثيرًا من شهاداتهم. ما أنتظره من العالم، وأتحدث هنا على المستوى الشعبي وما يرتبط به من باحثين ومثقفين ومؤسسات مجتمع مدني وغيرها، بذل مزيد من الجهود لفهم الآخر وتعزيز الاختلاف بوصفه قيمة تثري مجتمعاتنا.


شخصية من الماضي تودّ لقاءها ولماذا هي بالذات؟
في الواقع هناك الكثير من الشخصيات التي وددت أن ألقاها من الماضي. كباحث في التاريخ، تشتغل مخيلتك كثيرًا عندما تستغرق في قراءة الروايات التاريخية، خصوصًا أن مصادر تاريخنا العربي الإسلامي في الفترة التأسيسية هي في مجملها روايات متعددة للأحداث تتصالح في بعض الأحيان وتتناقض في أحيان أخرى، موضوعية أحيانًا ويدخل فيها ميول رواتها وتحيزاتهم أحيانًا أخرى.

عمومًا، من الشخصيات التي تخيلتها ورسمتها ذهنيًا في التاريخ الفلسفي العربي الإسلامي، ابن سينا والفارابي وابن ميمون وابن رشد. وهي شخصيات وددت لقاءها لما كان لها من دور وما يزال في السجال الفكري المعاصر.


■ صديق أو كتاب تعود إليه دائمًا؟
من الصعب أن أحدد كتابًا واحدًا. إنّما في مجال التاريخ العربي الإسلامي أعود دائمًا إلى كتابات مؤرخَين عربيَين لكل واحد منهما أصالته وأسلوبه المختلف؛ عبد العزيز الدوري وهشام جعيط. أما في مجال تاريخ الفكر فأعود إلى رشدي راشد.


أي تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
أنا من المعجبين بتراث أم كلثوم الغنائي والموسيقي وخصوصًا القديم منه. ورباعيات الخيام من الروائع التي لا أملّ من سماعها.


بطاقة
باحث أردني يحمل درجة الدكتوراه من "معهد الدراسات حول العالم العربي والإسلامي" في "جامعة إكس-مارسيليا" الفرنسية عام 2012. صدر له كتاب بالفرنسية تحت عنوان "مذهب النبوة لدى موسى بن ميمون بين الفكر اليهودي والفكر الإسلامي" (2013)، ودراسات محكّمة مثل "مهدي فراشري: حاكم القدس عام 1912: وجهات نظر جديدة من خلال الأرشيفات العربية والعبرية" (2018). وهو باحث في "المعهد الفرنسي للشرق الأدنى" في عمّان.

 

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون