هنري ماتيس: عشر سنوات من الشكّ والتجديد

هنري ماتيس: عشر سنوات من الشكّ والتجديد

11 مارس 2023
جزء من "امرأة ترتدي وشاحاً" (من المعرض)
+ الخط -

ما الذي يفعله الفنّان حين يجد، في لحظةٍ ما، أنّه لم يعد قادراً على ممارسة عمله كما كان يفعل دائماً، وأنّ أفضل ما عنده قد قِيل وبات منتمياً إلى الماضي؟ جواب هنري ماتيس عن هذا السؤال هو التوقُّف عن العمل، لفترةٍ على الأقلّ، والسفر بعيداً.

كان ذلك عام 1930، بعد سنواتٍ حرِجة كان فيها الرسّام الفرنسي (1869 - 1954)، شاهداً على جفاف ينابيعه الأُولى، التي أبهر، وهو يرسم انطلاقاً منها، أجيالاً من متابعي الفنّ ونقّاده بلوحاته "الوحشية" التي وضعها بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، ليجد نفسه، في السنوات الأخيرة من عشرينيات القرن الماضي، غير قادر على تجاوُز إنجازاته الماضية.

"ماتيس: 'دفاتر الفن' ومنعطف الثلاثينيات"، هو عنوان معرضٍ يستضيفه "متحف أورانجري" في باريس منذ مطلع آذار/ مارس الجاري وحتى التاسع والعشرين من أيار/ مايو المقبل، ويسلّط الضوء على هذا العقد، عقد الثلاثينيات، الذي شهد نهوض ماتيس من رماده وتقديمه أعمالاً أثبتت، مرّةً أُخرى، مكانته الفنّية بين تشكيليّي الحداثة التجديدية الأوروبية في القرن العشرين.

توقّف عاماً عن العمل وسافر بعيداً ليستطيع الخروج من صمته الفنّي

أمام شكّه في مستواه وفي مستوى الأعمال التي كان يضعها في نهاية العشرينيات، قرّر الفنّان أخذ عطلةٍ طويلة والسفر إلى الولايات المتّحدة عام 1930، والتي تنقّل من أقصى شرقها (نيويورك) إلى أقصى غربها، مارّاً بشيكاغو وبيتسبورغ، قبل أن يُغادر البلاد نحو هايتي، سائراً على خُطى مواطنه بول غوغان.

الصورة
"الحُلم"، 1940 (من المعرض)
"الحُلم"، 1940 (من المعرض)

كان ماتيس يتأمّل، خلال هذه الفترة، أكثر ممّا كان يرسم. يتمشّى في النهارات المضيئة، ويزور المعارض ومشاغل الفنّانين. يأخذ ملاحظات ويرسم اسكيتشات، ويكتب الكثير من الرسائل إلى زوجته، أميلي، التي يُسرّ لها في إحدى رسائله بأنّ هذه الاستراحة الطويلة ساعدته في إعادة ترتيب أفكاره، وفي العثور على ينابيع جديدة في مخيّلته ونظرته الفنّية.

هكذا، سيضع الفنّان، بعد عودته إلى فرنسا، عدداً من أبرز لوحاته، مثل "الرقصة"، التي رسمها بناءً على طلب جامع لوحاتٍ أميركي التقاه خلال رحلته تلك، وأنهاها بصيغةٍ يرضى عنها عام 1933، أو "الحُلم" (1940)، وهُما لوحتان يتمظهر فيهما فهمُه الجديد للعناصر التي تشكّلت منها تجاربه السابقة: الأشكال والأجساد النسائية والتزيين.

إلى جانب هاتين اللوحتين، يضمّ المعرض أكثر من خمسين عملاً ينتمي إلى فترة الثلاثينيات، بما فيها من لوحات ومنحوتات ورسومات على الورق. وإلى جانب هذه الأعمال، اختار المنظّمون تسليط الضوء على مجموعة من أعداد مجلّة "دفاتر الفن"، إحدى أبرز دوريات النقد التشكيلي في زمن هنري ماتيس، والتي حلّل فيها مجموعة من النقّاد أعماله في تلك المرحلة أوّلاً بأوّل، كاشفين عن تجديده، ومُعلنين عن عودته إلى واجهة المشهد الفني في بلاده بعد سنواتٍ من الشكّ والانتظار.

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون