هنري ماتيس: استعادة بالكلمات

هنري ماتيس: استعادة بالكلمات

05 نوفمبر 2020
لوحة "حياة مستقرّة مع الباذنجان" (من المعرض)
+ الخط -

يُنظر إلى هنري ماتيس بوصفه مخترع أبجدية لونية ومجرّباً واصل حتى رحيله التجديد على مستوى التقنية والأسلوب، في جميع الحقول التي طرقها من رسم ونحت وطباعة بأشكالها المتنوّعة، مساهماً في صناعة تغيّرات ثورية في تاريخ الفن كما أنجلو وغوغ وبيكاسو.

ينعكس ذلك في مقولة الفنان الفرنسي (1869 - 1954) بأن "أهمية الفنان "تُقاس بكمية الإشارات الجديدة التي قد يُقدّمها في اللغة البصرية في حياته المهنية". وحياة ماتيس المهنية يعود إليها معرض "ماتيس أشبه برواية" في "مركز بومبيدو" الباريسي، والذي افتتح في الحادي والعشرين من الشهر الماضي، ويتواصل حتى الثاني والعشرين من شباط/ فبراير المقبل.

يضيء المعرض الاستعادي، الذي يتزامن مع مرور مئة وخمسين عاماً على ميلاد ماتيس، علاقة الأخير بالأدب والكتابة وصداقاته من الكتّاب؛ وهو موضوع ألهم لويس أراغون ليضع كتاباً حول ماتيس في مجلّدين يروي فيه قصّة صداقته معه، وكيف أصبح الأخير رمزاً للهوية الفرنسية.

يُقدّم المعرض أعمال ماتيس الطباعية المعدنية التي نُشرت مع قصائد صديقه الشاعر الفرنسي ستيفان مالارميه (1842 - 1898)، كما يعرض قرابة مئتين وثلاثين عملاً وسبعين وثيقة ومخطوطة تُوضّح جوانب من رؤية عدد من الكتّاب حول تجربته، من أمثال بيير شنايدر وجان كلاي. ويتيح المعرض تتبُّع رحلة كرونولوجية في تسعة فصول منذ بدايات الفنان الشاب الذي تأخّر في الرسم في تسعينيات القرن التاسع عشر، حتى تحرّره الكامل في الخط واللون واستخدام الغواش المتقطّع الذي ميّز أعماله في نهاية حياته.

يتزامن المعرض مع مرور مئة وخمسين عاماً على ميلاد الفنان الفرنسي

تنطلق الرحلة منذ أصيب ماتيس بمرض أقعده الفراش في الثامنة عشرة، فقرّر أن يهجر دراسة الحقوق، وبدأت محاولاته في الرسم تنضج بعد عدّة سنوات، حيث كان متأثّراً بالانطباعيين، ثم تحوّل أسلوبه من خلال تفجير اللون، ليصبح أهمّ رموز المدرسة الوحشية مطلع القرن الماضي، في إطار سعيه إلى تقديم صياغة جذرية للون والرسم.

يُضيء المعرض، أيضاً، دخول الفنّان مرحلة من التجريد ربما كانت الأغنى في مشواره الذي مرّ بعدّة مستويات، حيث اعتمد في لوحة "حياة مستقرّة مع الباذنجان" (1911) على تكوين معقّد من مجموعة من المخططات، متخلّياً عن المنظور، وهو ما حافظ عليه في مراحل لاحقة، وتمكّن المنظّمون من ربط كلّ فصلٍ بين نتاجات ماتيس وكتابات معينة؛ من الكولاج إلى الخزف إلى الزجاج الملون، ثم الألوان المتفجّرة وزخرفات العراة من القرن العشرين، فالتكعيبية والتعبيرية، والراقصات من ثلاثينيات القرن الماضي في سياق التجريد، وأخيراً الكولاجات التي وضعها في النهايات.

كتابات تعود إلى عدد من الشخصيات؛ منها المؤرّخ الفني جورج دوثويت، صهر ماتيس، والذي تابع التحوّلات في تجربة الأخير وعلّق عليها في عدّة مقالات، وكذلك كليمنت غرينبيرغ منظّر التعبيرية التجريدية الشهير الذي ألّف كتاباً قبل رحيل ماتيس بعام واحد فقط، وناقش فيه تأثير الفنان خلال خمسة عقود على تجارب فرنسية وعالمية.

من بين الأعمال المعروضة "جاز" (1947)، وهو عمل منفّذ من غواش مقطوع ونصوص مكتوبة بخط اليد تتشابك فيها الكلمات والبلاستيك بطريقة غير مسبوقة، وقد تكرّر أسلوبه هذا في معظم لوحاته التي تنتمي إلى المرحلة الأخيرة من حياته.

المساهمون