ندى متّى.. أشجارٌ تقود إلى جبل لبنان

ندى متّى.. أشجارٌ تقود إلى جبل لبنان

15 يوليو 2022
جزء من إحدى لوحات المعرض
+ الخط -

يبدو الكلام عن حضور الحواس في تلقّي الفنون التشكيلية بدهياً، ولكن لو نظرنا للأمر من زاوية مدرسية لوجدناه مذهباً قائماً بذاته. أو يمكنُ القول عنه إنّه مذهب يتجاوز التشكيل إلى غيره من الفنون، وهذا ما يُعرَف بـ"تراسُل الحواس"، المفهوم الذي يقارب فيه الفنّان الانطباعات الداخلية متخلّياً عن الحدود المنطقية والتعريفات المؤطّرة.

"انبثاق حرّ" عنوان المعرض الذي احتضنه "غاليري آرت سكوبس" ببيروت للفنّانة التشكيلية ندى متّى (1968)، منذ أوّل الشهر وانتهى مساء يوم أمس، وضمّ 14 لوحة غلبَت عليها الجداريات التي تتمثّل فيها الطبيعة وعناصرها بحضور قوي وأحياناً متضخّم. فالأشجار، بدايةً ــ وهي التفصيل الطاغي بين مختلف العناصر ــ تعبر الحدّ المرئي والعادي لتصلَ إلى وَضعيّة تُذكّر بتعاليها الدائم.

ومن خلف هذا التضخّم تبرزُ تقاطُعات الأبيض والأسود إمّا بشكل مباشر حيثُ الجذوع والأغصان، ما يضفي على تضخّمها قوّة أكثر، أو كخلفية عندما تتقدّم الأزهار والأوراق بألوان متنوّعة المشهد، إنّما لتتّكِئ على أرضية واسعة من البياض الرشيق الذي يحتضن ضربات من السواد بين المساحة والأُخرى.

الصورة
ندى متّى 2 - القسم الثقافي

وتستدعي الأشجار بالضرورة مفهوم الغابة عند التشكيلية، والإحالة إليها هي مزيج من رومانسية هاربة ــ ربّما ــ من كلّ الوجوه والأجساد والمُدن. بهذا تبقى الطبيعة حرّة ومتفرّغة لذاتها وحسب، حتّى دورها الوظيفي مع المتلقّي يصبح شفّافاً ورقيقاً لا يحتمل أي حدّة لونية، كما تمكن قراءة هذه الرقّة من عناوين اللوحات أيضاً: "نيسان" و"الربيع" و"نعومة".

تبقى سيولة الألوان هي الأثر الأبرز الذي طبعَ لوحات متّى، فالخطّ الواصل بين نقطتين يُفصح عن تصوّر ضبابي لا عن قصدية، بمعنى آخر إنّ العودة هنا ليست فقط إلى الغابة، إنّما إلى غابة جبال لبنان بالذات، التي يلعبُ فيها الضباب دوراً تشكيليّاً طيلة فصول السنة وينزاح بخطوطها المستقيمة، وهذا ما ترجمته متّى مستعينةً على ذلك بالحبر الصيني الذي أوكلت له هذه المهمّة، في حين تكفّل الأكريليك وأوراق الذهب بالبقية.

المساهمون