مفكّرة المترجِم: مع نبيل الحفّار

مفكّرة المترجِم: مع نبيل الحفّار

30 اغسطس 2022
نبيل الحفّار في بورتريه لـ أنس عوض (العربي الجديد)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "المترجمون عن الألمانية يفتقدون وجود قاموس شامل يلبّي حاجات المترجِم اللغوية المتنوعة"، يقول المترجِم السوري في حديثه مع "العربي الجديد".


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟

- كنتُ وما زلتُ قارئاً نهماً للأدب والفكر، وخلال دراستي الأدبَ الألماني بألمانيا الديمقراطية، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، لفتَ نظري أنّ الأعمال الأدبية والفكرية الألمانية المترجمة إلى العربية قليلةٌ جدّاً مقارنةً بمثيلاتها عن اللّغتَين الإنكليزية والفرنسية، وأن حتى هذه الأعمال القليلة جدّاً معظمها مترجَم عن طريقِ لغةٍ وسيطة، وليس من الألمانية مباشرة، ما أدّى في بعض الحَالات إلى أخطاء ترجمية فاحشةٍ. لذلك فكّرت في المساهمة حسب قدراتي في سدّ هذا النقص، ولا سيّما في مجال المسرح المُعاصر على صعيد النصوص الإبداعية والكتابات النظرية. وكانت البداية عام 1969 مع "مجلّة المعرفة" الشهرية الصادرة حينها عن وزارة الثقافة السورية.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟

- آخر كتاب نُشر لي كان بعنوان "سيد الأشباح: في أفكار كارل ماركس" للكاتب توماس شتاينفيلد، وقد صدر عن "دار أطلس" بيروت - دمشق (2020)، وهو الكتاب الخامس والستون والأخير في ترجماتي حتّى الآن. اضطررت منذ ذلك الحين للتوقّف عن الترجمة وخضعتُ لعلاج طويل في عينيَّ الاثنتين، وأنا حالياً في آخر مرحلة النقاهة، وبعد ذلك سوف نرى ما قد يستجدّ. 


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟

- باختصارٍ شديد، من أهمّ العقبات المردود المالي الضعيف جدّاً الذي تدفعه معظم دُور النشر في البلاد العربية، بحيث لا يستطيع المترجِم أن يتفرّغ للترجمة كلّياً كمهنة. وعدم وجود مؤسّسات رسمية أو خاصّة تَرعى مشاريع الترجمة، إلّا ما ندر، وحتّى في هذه الحالة تجدُ سياساتها وخططها الترجمية غير واضحة المعالم وتخضع لمواقف أفراد فيها، مما يُعيق الاستمرارية في العمل. كما أنّ المترجمين عن الألمانية يفتقدون وجود قاموس شامل يلبي حاجاتِ المترجم اللغوية المتنوعة، وقاموس "شريغلِه" الكبير قاصرٌ من وجهة النظر هذه. 

سياسات مشاريع الترجمة غير واضحة وتخضع للأفراد

■ هناك قول بأنّ المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟

- المُحرّر بالمفهوم المتعارَف عليه عالمياً غيرُ موجود في دُور النشر عندنا، لأنّه يجبُ أن يكون مثقّفاً مُعتبَراً وأن يُجيد على الأقلّ إحدى اللّغات العالمية، وهذا نادر ومُكلف، تزعم غالبية دُور النشر العربية أنها لا تستطيع تحمُّل أعبائه. أما الموجود أحياناً فهو المدقّق اللغوي للنص المترجَم من حيث سلامته نحوياً فقط، دون تدخّلٍ في متن النص المترجَم من حيث البُنية والجمالية، فهذا من اختصاص المحرّر غير المتوفّر. نصوصي المترجَمة تُقرَأ طبعاً في دار النشر، وأنا أُطالب بذلك، إذ جلَّ مَن لا يُخطئ أو يسهو. وإذا ظهر خطأٌ ما فإنّنا نستدركه عن طريق البريد الإلكتروني. ومن المفروض عامة طبعاً ألّا يصلَ النص المطبوع إلى القارئ إلّا خِلواً تماماً من الأخطاء النحوية والمطبعية.
 

■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟

- حتى الآن كانت علاقاتي مع مختلف الناشرين الذين تعاملتُ معهم إيجابية من الطرفين، سواء كان الناشر هو الذي اقترح عليّ الكتاب، أو كنتُ أنا صاحب الاقتراح، لأنّني كنتُ ألتزمُ بشروط العَقد تماماً. في حال الحِكايات الشعبية والنصوص المسرحية التي بلغت نحو ثلاثين نصّاً، كنتُ أنا صاحب الاقتراح دائماً وذلك في أوج صعود المسرح العربي وقد تحول معظم نصوصي المترجَمة إلى عروضٍ مسرحية. وفي حال الكتب الفكرية والروايات فقد كان الناشرون هم أصحاب الاقتراحات دائماً. 


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟

- حدث أن اعتذرتُ عن بعض الاقتراحات لأني لم أوافق على توجّهها الفكري السياسي، أو لأني لم أجدها مفيدةً للقارئ. وهناك طبعاً الكُتب التي ترجمتُها بتكليفٍ من "معهد غوتِه" مع دعمٍ ماليّ للناشر العربي والمترجِم، وبما أني كنت عضواً في اللجنة التي يشكّلها المعهد من مثقّفين عرب وألمان لاختيار النصوص، فقد ركّزتُ مساهمتي في جلسات اللجنة على الأعمال التي أراها مفيدةً للقارئ في المنطقة العربية، أكثر من تلك الدعائية لألمانيا الحديثة، لا سيما وأن المعهد الذي يحمل اسم "غوتِه" لا يدعم ترجمة الفكر الكلاسيكي الألماني، بل الفكر الحديث فقط. كما رفضتُ قبل سنتين عرض "دار الآداب" البيروتية لترجمة آخر روايات بيتر هاندكِه "سارقة الفاكهة" وكان قد حصل على "جائزة نوبل"، لأني لم أجد في 600 صفحة سطّرَها، على صعيد المضمون، ما يستحقّ الترجمة فعلاً سوى جمالياته اللغوية الألمانية. وها قد مرّت أربع سنوات على نشرها في ألمانيا دون أن تحقّق أثراً ملموساً على صعيد النقد.

التقيُّد الحرفي بأسلوب الكاتب يقتل النص أو يشوهه

■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟

- أجمع عن طريق الإنترنت ما أستطيع الوصول إليه ممّا كُتب عنه وعن أعماله، لأشكّل لنفسي تصوُّراً عن عالمه الإبداعي. وإذا اعترضتني إشكالاتٌ أثناء قراءة الكتاب الذي أنوي ترجمته، على صعيد المضمون أو الصياغة اللغوية، فإني أحاول الاتصالَ به عن طريق دار النشر أو هاتفه الخاصّ أو بريده الإلكتروني لأسأله إيضاحات لها. لكن اللقاء المباشر مع الكاتب لم يحصل إلّا في حالاتٍ قليلة جدّاً، بسبب صعوبات السفر وأكلافه. ثم إنّ التواصل الإلكتروني بات يسهل كلّ هذه الأمور دون أن تغادر طاولة الكتابة. الكاتبة فليسيتاس هوبِه مثلاً التقيتُها بعد نشر روايتها "هوبِّه"، صدفةً في أُمسية أدبية في بوسطن. وجِني إربنبك مؤلّفة "الفجيعة" التقيتُها في بيت والدتها الراحلة دوريس كيليان مترجِمة أعمال نجيب محفوظ إلى الألمانية.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟

- أنا من أنصار الرأي القائل بأنّ الترجمة الأدبية إعادةُ صياغة للنص في اللغة المترجَم إليها. التقيُّد الحرفي بأسلوب الكاتب اللغوي يقتل النص أو يشوهه على الأقل. أقرأ النص الأصلي وأهضمه جيداً ثم أبدأ بإعادة صياغته عربياً، محاولاً ما أمكن إبراز خصوصيته وجمالياته. وأعتقد بأن ترجماتي المختلفة قد حقّقت ذلك. أنا لستُ كاتباً بل ناقد، وأسلوبي اللغوي الخاص يغيب في حضور عملية الترجمة. 


■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟

- جوائزُ الترجمة لفتةٌ كريمة ومهمّة جداً، لأنها تولي اهتمامها إلى المبدع الثاني بعد المؤلّف، وتُبرز دوره كجسر بين الثقافات بما يحقّق التعارف والتفاهُم والسلام بين الشعوب. بالإضافة إلى أنها تشكّل دعماً مالياً لا بأس به للمترجمين مهضومي الحقوق غالباً في بلداننا.

أهمّ العقبات المردود المالي الضعيف من دُور النشر

■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟

- ملاحظتك في محلّها، فمشاريع الترجمة في الغالب الأعمّ يحملُها أفراد على كواهلهم. قد تساعدهم الظروف فينجحون، أو قد تعاكسهم فيخفقون كما في غالبية الحالات، وإن كان الفرد أحياناً عضواً في مؤسّسة رسمية. خلال العقود الأخيرة ظهرت إلى الوجود بعض المؤسّسات الرسمية ذات الإمكانات المالية المعتبرة، أخذت على عاتقها تشجيع حركة الترجمة إلى العربية ووضَعت لها خططاً سنوية لتنفيذ مشاريع طموحة. تبع ذلك الهيئات العامة للكتاب والمشاريع القومية للترجمة، لكنها سرعان ما تعثّرت وكادت أن تتوقّف لغياب الروح المحرّك صاحب المشروع الأساس.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟

- لا بدّ من وجود قواعد للعمل إذا توخّينا التقدّم والإنجاز. بعد تقاعُدي صرتُ أترجم بمعدّل ثماني ساعات يومياً. وعندما أبدأُ بكتاب جديد أقرأه أولاً لأتعرّف عليه وأضع ملاحظاتي المتنوّعة لغوياً والنقاط التي يجب أن أبحثُ عنها لأفهمها وأتمكّن من ترجمتها. أنا أترجم على الكومبيوتر منذ عشرين سنة، وقبل ذلك كنت أستعمل قلم الرصاص والممحاة. بعد الانتهاء من الترجمة الأوّلية أراجعُها ثانية ثم أتركها بضعة أيام لأخرج من عالمها، ثم أقرأها مجدّداً لتفادي أيّ خطأ أو سهو، وعندما أطمئنّ إلى سلامتها أرسلها إلى الناشر. 


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟

- حتّى الآن لم أندم على أيّ كتاب ترجمته.


■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟

- أتمنّى أن يزداد اهتمام وزارات الثقافة العربية، وما يقوم مقامها بحركة الترجمة من الألمانية إلى العربية على الصعيدَين المادّي والمعنوي، لا سيّما وأنّ الألمانية منطوقة في ثلاثة بلدان أوروبية. كما آملُ أن يظهر قريباً من بين المهاجرين العرب إلى منطقة اللغة الألمانية مترجمون جُدد يرفدون الأجيال السابقة، وخاصة في التخصّصات العلمية التي نحن بأَمسِّ الحاجة إليها.

 

بطاقة

مترجم سوري من مواليد دمشق عام 1945، حاصل على دكتوراه في العلوم المسرحية من جامعة "هومبولت" بألمانيا (1988). ورئيس تحرير سابق لـ"مجلة الحياة المسرحية" بدمشق. له أكثر من خمسة وستين كتاباً مترجماً عن الألمانية في الرواية والقصة والمسرح، منها: "الأم" لـ برتولد بريخت (1973) إلى جانب عشرة أعمال للكاتب نفسه، و"العطر" لـ باتريك زوسكيند (1998)، و"الذاكرة الواسعة" لـ غريغور شتاوب (2005)، و"غوته - هوغو وحوار الحضارات" (2009)، و"ما الإنسان سوى درّاج ثقيل في هذه الدنيا" لـ هرتا موللر (2010)، و"مجموعة حكايات الأخوين غريم الكاملة" (2016)، و"الحياة الأفضل" لـ أولريش بلتسر (2017)، و"التحوّل" لـ فرانتس كافكا (2018)، وغيرها. تحصَّل على عدد من الجوائز منها: "جائزة الأخوين غريم للترجمة"، ألمانيا (1982)، و"جائزة التدريس" من "المعهد العالي للفنون المسرحية" بدمشق (2005)، و"جائزة معهد غوته للترجمة" ألمانيا (2010)، و"جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهُم الدولي" قطر (2018). 

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون