مفكرة المترجم: مع لينا بدر

مفكرة المترجم: مع لينا بدر

17 مايو 2021
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "الكتّاب الذين ترجمت شيئاً من أعمالهم يحملون الفكر الإنساني والدعوة للسلام ويناهضون الحرب والعنف والعنصرية"، تقول المترجمة السورية لـ"العربي الجديد".

 

■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟ 
حكايتي مع الترجمة طريفة جدّاً، بدأت في المرحلة الثانوية عندما كان راديو "مونتي كارلو" آنذاك الإذاعة العربية الوحيدة التي تبثّ الأغاني الأجنبية. كنت أقوم بتسجيل الأغاني الفرنسية كي أتمكّن من كتابتها ثمّ ترجمتها لاحقاً، وكأنّي أعيد اكتشاف المشاعر والأحاسيس والألفاظ بلغتنا الأم. كما كانت لدي محاولات لترجمة قصائد من الكتب المدرسية المخصّصة للفرنسية. على الرغم من أنّ القاموس الوحيد المتوفّر لدي كان قاموس الطالب الصغير، إلّا أنّني كنت أجد متعة في البحث والعثور على مفردات جديدة، وأغوص ساعات بين صفحاته دون أن أنتبه إلى الوقت الذي مضى.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتِها، وماذا تترجمين الآن؟
آخر الترجمات كانت في الحقيقة هي الأثيرة عندي: "في غابات سيبيريا" للكاتب الرحّالة سيلفان تيسون. كنت قد اخترته بعد قراءة العديد من أعماله. والكتاب عبارة عن يوميات كتبها أثناء إقامته في كوخ على ضفاف بحيرة البايكال في سيبيريا الروسية. مزيج من التأمّل والمغامرة والوصف البديع في تجربة العزلة الطوعية هذه، بعيداً عن المدنية وتكنولوجيا العصر الطاحنة. الآن أعمل على ترجمة الرواية الحائزة على "جائزة غونكور لطلاب الثانوية" لعام 2020، وعنوانها Les impatientes، واخترت لها تعريباً هو "بفارغ الصبر".


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 
يمكنني القول أولاً إنّ حركة الترجمة عن الفرنسية لا تقارن بمثيلاتها عن الإسبانية أو الإنكليزية الأكثر نشاطاً، كما أنّ هناك الكثير من دور النشر العربية التي، لكي تندفع إلى نشر الكتب المترجمة، تنتظر دعم المؤسسات الفرنسية لها، وتلك المؤسّسات هي التي تحدّد الكتب الرائجة في فرنسا، حتى وإن كانت لا تلقى الترحيب المنتظر لدى القارئ العربي. كما يتمّ استغلال المترجم بطريقة ما، ولا ينال ما خُصّص له من أتعاب ويصعب عليه التحقّق من ذلك، خصوصاً أنّ العمل اليوم يتمّ عن بُعد.

يرغب المترجم الشغوف في نقل كلّ ما يقرأه إلى لغته الأم

■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
بالنسبة إلي، سبق أن قامت "دار مسكيلياني" التونسية بتحرير عملين من ترجماتي دون أن أعلم بالأمر، وكانت النتيجة جيّدة في كلّ الأحوال. لكنني بعدها لم أرغب في أن يتدخل المحرّر دون الرجوع إليّ، على الرغم من جهوده وخبرته، لأنّ كلّ نص يحمل ميزته ولغته الخاصة وأتعمّد استخدام مفردات معينة لخدمة النص، بعد أن أتعمّق في خلفية الكاتب وظروف كتابته وأسلوبه. 


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
تختلف العلاقة من دار لأُخرى، وهي شأنها شأن الأشخاص، لكلّ منها مزاجه الخاص وإن اعتمدت المهنية. البعض مثلاً لا يضع اسم المترجم على الغلاف، البعض الآخر يتأخّر كثيراً في طباعة الكتاب. على العموم، علاقتي بدور النشر والقيّمين عليها جيدة جداً لولا هذه الاستثناءات. وأشكر هنا دور النشر التي تقبل اقتراحاتي وتتبنّاها بثقة تامة دون تردّد، على سبيل المثال: "مدارك"، و"مسكيلياني"، وسلسلة "إبداعات عالمية" التابعة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت... ما عدا ذلك تصلني المقترحات من الدور الأُخرى، أطّلع عليها، وإذا نالت إعجابي، أوافق على الترجمة بكلّ سرور. 


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
حتى الآن لم أترجم عملاً ذا خلفية سياسية بحتة، ولا أميل لترجمة كتب الدراسات. ولكن يمكنني القول إنّ الكتّاب الذين ترجمت شيئاً من أعمالهم، يحملون الفكر الإنساني العام والدعوة للسلام ويناهضون الحروب والعنف والتمييز العنصري بكلّ أشكاله، وأنا أحب الروايات التي يكون الحرب مسرحها، لأنّها تضع الشرط الإنساني على طاولة التشريح عسى أن تشهد الأجيال فظاعتها وآثارها العبثية على حياة البشر. وأقرأ حالياً "كتابات سلمية" للكاتب جان جيونو الذي ناضل ضد الحرب والحكومات التي تستغل الشعوب باسم التضحية في سبيل الوطن، وكان قد جمع حوله العديد من المفكّرين والناجين من الحربين العالميتين. في الحقيقة هذا الصنف هو الوحيد الذي أحبّ ترجمته. 


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟
تبدأ العلاقة بالكتاب موضوع الترجمة بالاطّلاع على سيرة حياة الكاتب ومشاهدة البرامج الوثائقية عنه وقراءة ما يتوفر لي من أعماله. لا يمكنني البدء بترجمة أي كتاب دون معرفة خلفية المؤلف وأخذ فكرة شاملة عن أعماله. من المهم معرفة تلك التفاصيل: زمن الكتابة، الجو العام، الظروف الاجتماعية والبيئة التي عاش فيها. على سبيل المثال، كاتب فرانكوفوني من بوروندي أو من السنغال، يكتب بأسلوب مختلف تماماً عن أسلوب كاتب من باريس. كما أحتاج لمعرفة الدافع الذي حضّ الكاتب على تأليف هذا الكتاب لكي أتمكّن من نقل روح النصّ بأمانة وشفافية. في كثير من الأحيان أتواصل مع الكاتب وأتباحث معه حول بعض النقاط المبهمة، ويكون النقاش مثمراً وممتعاً دائماً. وأذكر هنا اتصالاتي العديدة مع الكاتب اللبناني الفرانكوفوني شريف مجدلاني أثناء مراجعة كتابه الشيّق "حياة واحتمالات".

الصورة
في غابات سيبيريا

■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
في الحقيقة، أنا لست كاتبة ولم أكتب شيئاً للنشر حتى الآن. أعددتُ فقط موادَّ ثقافيةً نشرت في الدوريات العربية. ولكنني أعرف، من متابعي ترجماتي، أنّه صار لدي أسلوب خاص في انتقاء المفردات والعبارات، وهو على كلّ حال ممّا أختزن في ذاكرتي من بيئتي ومن قراءاتي لأدباء المهجر خاصة. وعلى الرغم من حضور خصوصية المفردات لدي، إلا أنّني أحرص على إبراز أسلوب الكاتب، لهذا تراني أدخل في مزاجه وأتقمّص شخصيته أثناء المراجعة، وأتعمّد القراءة بصوت مسموع حتى يصلني صوته عبر حنجرتي.


■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
الجوائز، أسمع بها وأثني على الفائزين وعلى الجهات المانحة لتقديرها هذا العمل الشاق الطويل، والذي يتمتّع به المترجم دون شك. في العالم العربي مترجمون يستحقون كلّ التقدير والتكريم على أعمالهم وإضافاتهم التي قدّموها للمكتبة العربية. والجوائز تحفّز المترجمين على بذل المزيد من البحث لنقل الأفضل، خصوصاً إذا كانت الجائزة صادرة عن جهات أجنبية. 

أُترجم رغم الأخبار المؤلمة وهذا ما أنقذني من اليأس

■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
لم يسبق لي أن ترجمتُ لأي مؤسّسة باستثناء المجلس الوطني الكويتي. ولكن من قراءاتي للترجمات الصادرة عن المؤسسات الخاصة، أخشى أن أقول إنّ التركيز يكون على إصدار الأعمال الأكثر رواجاً عالمياً في أسرع وقت ممكن، وقد يكون ذلك على حساب الدقّة، وبالأخصّ حين يشارك في ترجمة الكتاب أكثر من مترجم. ربما تمنح العناية أكثر للحصول على كتاب قيّم بكلّ المعايير. 


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
قبل كلّ شيء، يجب أن أتعرّف على الكاتب جيّداً، عبر صفحات الإنترنت بالتأكيد. وقراءة أكثر من عمل له إذا توفّر. أنا معتادة على المسوّدات الخاصة بي منذ أيام الدراسة الجامعية، لذلك إذا حاول أحدهم قراءة المسودة الأولى، فسوف يقع على نص يحتاج إلى فك الشيفرة، لكثرة الأقواس والألوان والأحرف الثخينة. المراجعة الأولى للنصّ المترجم بمحاذاة النص الأصلي هي الأساس، وتستغرق وقتاً أطول بكثير من الترجمة. وأتعمّد الغياب عنه لفترة لأعود وأكتشف إمكانية صياغة جديدة في بعض المواضع. ولا أملّ من مراجعة النص عشرات المرات.
أحبّ الاستيقاظ باكراً، وأعمل بكثافة في الفترة الصباحية. غير أنّني خلال السنوات الأخيرة ومهما كانت الظروف صعبة والأخبار مؤلمة، عوّدت نفسي على الانفصال عن العالم الخارجي والغوص في الترجمة، وهذا ما أنقذني من اليأس. 


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
كُلّفت ذات مرّة بترجمة كتاب "انظر إلى الأضواء يا حبيبي" للكاتبة آني أرنو. في الواقع هو كتاب صغير تتحدّث فيه الكاتبة عن مشاويرها إلى الأسواق الكبرى في فرنسا لإظهار جشع الشركات وأساليبها في إغراء المستهلكين. ندمت لاحقاً على ترجمته لأنّني أعتقد أنّ الكتاب ليس من اهتمامات القارئ العربي. على كلّ حال، إنّه لا يتجاوز المئة صفحة.


■ ما الذي تتمنينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجمة؟
أمنيتي أن تُعنى دور النشر والمؤسسات بحركة الترجمة أكثر، دون انتظار الدعم من الجهات الأجنبية فقط. كما أرى أنّ كتب الناشئة المنقولة إلى العربية قليلة جداً، لا بل نادرة. هناك كتب وروايات تعالج موضوع البيئة وأدب الرحلات مثلاً ولها جمهور واسع في الغرب، ولكن لا أحد يلتفت لترجمتها إلى العربية، على الرغم من أنّها صنف ممتع ومفيد، كما تفتح آفاقاً جديدة أمام الشباب باتجاه ما لا يألفونه في الثقافة العربية.
هناك كتب كثيرة أرغب في ترجمتها تحتاج إلى أكثر من عمر. مثلاً: أعمال جان دورميسون، إيريك أورسينا، فيليب كلوديل، فرانسوا شينغ، كتب أنطوان دو سانت إكزوبيري الأُخرى، إذ إنّ القارئ العربي لا يعرف من أعماله سوى "الأمير الصغير". الترجمة لا نهاية لها، والمترجم الشغوف يرغب في نقل كلّ ما يقرأه إلى لغته الأم.


بطاقة
مترجمة سورية من مواليد 1961. صدر لها في الترجمة عن الفرنسية: "المكيدة" (2005) لدومنيك بودي، و"السمكة الذهبية" (2009) لجان ماري لوكليزيو، و"سوء تفاهم مع موسكو" (2015) لسيمون دي بوفوار، و"أفيون" (2015) لماكزانس فيرمين، و"سبع حكايا تعود من بعيد" (2016) لجان كريستوف روفان، و"ليلة النار" (2017) لإيريك إيمانويل شميت، و"وطني الصغير" (2017) لغاييل فاي، و"الحجر الحي" (2017) للينور دي روكوندو، و"علاقات خطرة" (2018) لبيير دولاكلو، و"أنشودة القلم" (2019) لعتيق رحيمي، و"أرخبيل وحياة أخرى" (2019) لأندريه ماكين، وغيرها.

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون