مفكرة المترجم: مع خالد رؤوف

مفكرة المترجم: مع خالد رؤوف

19 مارس 2021
خالد رؤوف
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "يبقى النقص في جودة النشر ووعي الناشر من أهمّ العقبات التي تواجه المترجم العربي، وأيضاً التوزيع؛ فنحن نعمل في الظلّ وننشر في الظلام"، يقول المترجم المصري.


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟

- حكايتي مع الترجمة بدأت بالقراءة وحبّ الأدب بشكل عام، ثمّ بعد ذلك بحبّ اللغة والأدب اليوناني في فترة المراهقة. لكنّني أعتقد أنّ البداية الحقيقية بدأت عندما صرت أقرأ الأدب اليوناني باللغة الأصلية، حيث اكتشفت أنّ كل ما قرأته في الأدب مترجماً منه إلى اللغة العربية كان منقولاً عن لغة وسيطة، وبالتالي مختلفاً عمّا أقرأه باللغة الأصلية، بل يكاد يكون مغايراً أو مشوّهاً في بعض الأحيان. وقد بدأت بترجمة الشعر.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟

- آخر ترجماتي المنشورة هي رواية "طعم الصحراء" للكاتبة اليونانية إيفيغينيا ثيوذورو، لكن هناك حوالى سبعة أعمال التي كانت قيد النشر وتعطّل نشرها بسبب الجائحة. أترجم الآن روايتين لأحد أهم الكتاب الشباب اليونانيين: ذيميتريس سوتاكيس، وهما "قيامة مايكل جاكسون" و"معجزة التنفّس".


■ ما هي، برأيك، أبرز العقَبات في وجه المترجم العربي؟ 

- كمترجم، لا أفكّر كثيراً في العقَبات. كلّ ما يشغلني هو العمل وإنجاز ما أستطيع من الترجمات التي أرغب في تقديمها للقارئ العربي. لكنْ يبقى النقص في جودة النشر ووعي الناشر، في رأيي، من أهمّ العقبات التي تواجه المترجم العربي. وبالتأكيد، ثمة التوزيع أيضاً. فنحن نعمل في الظلّ وننشر في الظلام.

المترجم، ولا سيّما مترجم النصوص الأدبية، كاتبٌ بالأساس

■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟

- أؤمن بدور المحرّر بالنسبة إلى الكاتب والمترجم، ولا سيّما مترجم الأدب، الذي يجب أن نتعامل معه ككاتب، لأنّه كذلك. لكنّ هذا الدور ليس مرسّخاً، لا في دور النشر ولا في الثقافة العربية بشكل عام، أو على الأقل ليس مرسّخاً بالشكل المطلوب. وبعض من يقومون بهذا الدور ليسوا على القدر اللازم من الوعي بالمهمّة، ولا بالكفاءة المطلوبة. أحياناً يؤدّي هذا الدورَ الناشرُ، إذا ما كان مثقّفاً واعياً، وهو ما يتوافر في حالة الناشر الذي أتعامل معه بشكل أساسي في مصر: محمد البعلي، مؤسس ومدير "دار صفصافة". كما أنّني أعرض أحياناً ما أترجمه على بعض الأصدقاء الذين أثق في رأيهم، كالصديق والشاعر والمترجم المصري عبد الرحيم يوسف.

 

■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟

- علاقتي مع الناشر طيّبة غالباً، وأرى أنّها يجب أن تقوم دائماً على الاحترام والثقة المتبادلة. أما العناوين فغالباً ما أختارها بنفسي. بالطبع، هناك ترجمات يُكلّف بها المترجم وهناك عناوين يختارها ويرشّحها هو للناشر، كما أنّ هناك ترجمات أو عناوينَ يتمنّى المترجم ترجمتها ونشرها. وفي كلّ الحالات، يجب الوقوف على أرضية مشتركة، وأن يكون هناك تفاهمٌ تامّ بين المترجم والناشر، لأنّ لكلّ منها اعتباراته. لكنّني أعتبر نفسي محظوظاً. إذ أنّ النسبة الأكبر ممّا ترجمته كان من اختياري، وكان هناك تفاهمٌ كبير بيني وبين جهات النشر التي تعاملت معها حتى الآن.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟

- لا أضع أيّة اعتبارات لاختيار الأعمال التي أترجمها سوى القيمة الأدبية للعمل، أياً كان ما يحمله من آراء سياسية أو مواقف للكاتب. عندما أستقرّ على ترجمة عملٍ ما يتحتّم عليّ أن أقدّم صورةً طبق الأصل من الكتاب ومن أفكار الكاتب وأسلوبه، على أن تُقرأ بنفس السلاسة التي يُقرأ بها العمل في لغته الأصلية.

الصورة
غلاف "في شوارع القاهرة" ـ القسم الثقافي

■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟

- أقول دائماً بأن المترجم يجب أن يكون أقرب كائن على وجه الأرض إلى الكاتب، أي أنّ عليه أن يفهمه تماماً ويدرسه جيّداً. يجب أن يكون المترجمُ صديق الكاتب اللدود وعدوّه الحميم، وأن يحتفظ بمسافة واعية وآمنة بينه وبين الكاتب والنص الأصلي، ويتعامل بحساسيّة جرّاحٍ مع كلّ مراحل عملية الترجمة، حتّى يتسنّى له إعادة خلق صورة طبق الأصل للنص الأصليّ في لغة وبيئة جديدتين. علاقتي بالكُتّاب الذين ترجمت لهم وطيدة بالتأكيد، وأنا على صداقة وتواصل دائم مع مَن هم على قيد الحياة من بينهم.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟

- المترجم، ولا سيّما مترجم الأدب، كاتبٌ بالأساس. أنا أكتب دائماً، لكنّني لم أنشر شيئاً، ولا أظن أنّ هذا سيحدث قريباً. فأنا أكتب لأكتب، وأقرأ لأقرأ، باحثاً عن المتعة في القراءة والكتابة. والقراءة تأتي بالكتابة والعكس. وكلاهما يحافظ للمترجم على لياقته الذهنية، والأدبية، والكتابية. لو افترضنا أنّ الترجمة "صنعة" ــ أي أنّها تحمل من الفن (فن الكتابة) والحرفية (عملية الترجمة) ما يجعلها أقرب لأن تكون فنّاً تطبيقيّاً ــ فإن الكتابة إحدى أهمّ أدوات المترجم التي يجب عليه أن يصقلها، باستمرار، بالقراءة والكتابة.

 

■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟

- لا أهتمّ، شخصيّاً، بالجوائز. هو أمر لا يعنيني ولم أسعَ إليه أبداً. لكنّها بالتأكد أمرٌ جيّد، خصوصاً وأن مكافأة المترجم وتقديره أمرٌ يغيب عن الثقافة العربية بشكل عام. ويمكن للجوائز أن تلقي الضوء على عمل المترجم ومنجزه الأدبي وعلى الكتّاب الذين قدّمهم إلى المكتبة العربية. وهذا ما يجب أن يكون مردود جوائز الترجمة (على قِلّتها).

على المترجم أن يكون أقرب كائن على وجه الأرض إلى الكاتب

■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟

- مشاريع الترجمات المؤسسيّة يشوبها فقدان الرؤية، أو يشوبها كونُها مشروعاً بالأساس. إذ يجب أن تكون أهداف المشروع المؤسّسي، من وجهة نظري، واضحةً بشكل عمليّ وذات مردود وتأثير فعليّ على الثقافة بشكل عام، وأن تكون لها رؤية مستقبلية يكون لها أثرها الواضح والمثمر على مشروع ثقافتنا العربية (إذا كان لدينا مشروع). وإذا كان هناك مشروع مؤسّسي للترجمة، فيجب ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ أن يهتمّ بالترجمة من وإلى. وهو ما يعوزه التنسيق بين جهات كثيرة، داخلية وخارجية: بدايةً من تدريس اللغات والأدب بشكل احترافي في جامعاتنا إلى تدريس اللغة والأدب العربيين في الجامعات الأجنبية...


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟

- احترام الكاتب والقارئ والمهنة والتعلّم وتطوير أدواتي كمترجم، كي أستطيع أن أقدّم كل ما أرغب في تقديمه إلى القارئ العربي فيما يخص الأدب اليوناني. عاداتي يمكن أن تكون قواعدي في الترجمة: قراءة النص ودراسته، وقراءة كلّ ما ألّفه الكاتب، وكل ما كُتب عنه وعن الكتاب المزمَع ترجمتُه، أكثر من مرة. وعادة ما أبدأ في الترجمة عندما أقرأ النصّ في لغته الأصلية وأسمعه في رأسي بالعربية. يمكنني أن أقول إنّني بهذا أستدعي ما قد يُسمّى بالإلهام.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته، ولماذا؟

- لحسن الحظ أنّ هذا لم يحدث حتى الآن، ولا أتمنّى حدوثه. لكنْ يحدث، أحياناً، أن أشعر أنه كان لترجمة فقرةٍ ما أو جملةٍ ما أن تكون أفضل. لكنّ الأمر لم يصل يوماً إلى حدّ الندم.

الصورة
طعم الصحراء - القسم الثقافي

■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية، وما هو حلمك كمترجم؟

- أتمنى ترجمة المسرح اليوناني المعاصر، وبالتأكيد الشعر اليوناني بشكل أكبر. فاليونان بلدُ شعر واليونانيون أهلُ شعر، واللغة اليونانية لغة شعرية بدرجة كبيرة، ولديهم شعراء عظام في كلّ الأجيال. أتمنّى أن أترجم مجموعة من الشعراء اليونانيين الذين أحبّ شعرهم كثيراً، وأظن أنّه سيكون لهم أثر كبير لدى القارئ العربي لو ترجموا إلى العربية. ما أتمنّاه أيضاً ــ وهو مشروعي كمترجم ــ هو أن أقدّم للقارئ العربي صورةً بانورامية عن الأدب اليوناني المعاصر، من القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا. أحاول أن تكون اختياراتي في الترجمة على هذا النحو، أي أن أختار كتاباً لكاتب قديم، وآخرَ لكاتب معاصر.


بطاقة

أكاديمي ومترجم مصري، ترجم من اليونانية قرابة عشرين كتاباً، من بينها: "ألكسيس زوربا، سيرته وحياته" لـ نيكوس كازانتزاكيس، و"في شوارع القاهرة: نزهة مع نجيب محفوظ" و"أصوات سكندرية" لـ بيرسا كوموتسي، و"التحوّل" و"أموت وطناً" لـ ذيميتريس ذيميترياذيس، و"قيامة مايكل جاكسون" لـ ذيميتريس سوتاكيس و"جيرانُ العالَم" (مختارات من شعر يانيس ريتسوس). وممّا يصدر له قريباً "تاريخ اليونان المعاصر" لمجموعة من المؤلفين.

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون