محمد راسم.. فنون إسلامية داخل اللوحة المعاصرة

محمد راسم.. فنون إسلامية داخل اللوحة المعاصرة

24 يونيو 2021
(محمد راسم، 1896 - 1975)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الرابع والعشرون من حزيران/ يونيو، ذكرى ميلاد الفنان التشكيلي الجزائري محمد راسم (1896 – 1975).


نشأ محمد راسم الذي تمرّ اليوم مائة وخمسة وعشرون عاماً على مولده في عائلة توارثت الحرف والفنون التقليدية، إذ امتلك أبوه وعمّه ورشةً عُنيت بالحفر على الزجاج والجلد والخشب. سبقه إلى التدرّب فيها شقيقه الأكبر عمر راسم (1884 – 1954)، الذي أتقن الزخرفة والحروفيات والخزف وترك نماذج فنية منها في عدد من المساجد والأضرحة في بلاده.

التحق الشقيق الأصغر (1896 – 1975) بمدرسة الفنون الجميلة قبل أن يُتِمّ الخامسة عشرة. التحق في الجزائر العاصمة بدعم من والده وتعلّم فيها الرسم، وأظهر تفوقاً في دراسته رغم صغر سنّه، حيث بدأ باكراً رحلة البحث في تاريخ المنمنمات والنقوش الإسلامية، تشدّه نحو ذلك رغبة في ابتكار خصوصية جزائرية لهذا الفن العريق.

أقام معرضه الأول سنة 1919 تحت عنوان "إسبانيا الأندلسية والجزائر القديمة"

مزج راسم بين التقنيات الأكاديمية الغربية التي اطلع عليها بعد حصوله على منحة دراسية في إسبانيا وبين ما اكتسبه في مشغل العائلة من معارف ومهارات، كما أتاحت له زيارته لمدن الأندلس؛ قرطبة وإشبيلية وغرناطة، فرصة اكتشاف المخطوطات الإسلامية التي تعامل معها قبل ذلك من خلال عمله فترة قصيرة في قسم المخطوطات بالمكتبة الوطنية الباريسية.

في الأثناء، أقام معرضه الأول سنة 1919 تحت عنوان "إسبانيا الأندلسية والجزائر القديمة"، وأتبعه بالعديد من المعارض في باريس وروما وفيينا وبوخارست ووارسو واستوكهولم وكوبنهاغن، بالإضافة إلى القاهرة وتونس، إلى أن عُيِّن عام 1934ـ أستاذا بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة في الجزائر، وهناك برزت رؤيته وتنظيراته حول الفن بشكل أوضح.

الصورة
(من أعمال محمد راسم)
(من أعمال محمد راسم)

عُهد إلى راسم خلال تواجده في باريس بتزيين مجموعة من أمهات كتب التراث الإسلامي والمغاربي ومؤلّفات عديدة وضعها المستشرقون حول تاريخ الإسلام، ومنها اثنا عشر مجلّداً من "ألف ليلة وليلة وكتاب عن حياة البحار الجزائري خير الدين بربروس (1478 – 1546)، وآخر يضمّ قصائد الشاعر عمر الخيام، وغيرها، وحاز عام 1924 "وسام مؤسّسة الرسّامين المستشرقين الفرنسيّين"، قبل أن يعود إلى الجزائر عام 1932 ويحوز "الجائزة الفنّية للجزائر" بعد عام.

قدّم بعد ذلك العديد من اللوحات التي تتضمّن مشاهد من قصبة الجزائر العاصمة والبحر ومعالمها التاريخية وتبرز الطقوس والعادات الشعبية لأهل مدينته، وعكست تأثّره بالمنمنمات في مدرسة بغداد خلال القرن الثاني عشر، وكذلك الفن الفارسي الذي ازدهر في مدن تبريز وشيراز وهراة خلال فترة لاحقة، والفن الهندي إبان الحكم المغولي، والمدارس التركية العثمانية، لكن أعماله حملت إضافات مهمّة في التقنيات والأسلوب.

سعى راسم إلى رسم مجموعة من المناظر الطبيعية المختلفة في اللوحة الواحدة، حيث تتداخل فضاءات متعدّدة في الحيز الواحد، مع احتفاظ بالواقعية كأسلوب فني واعتناء بالتفاصيل، وإدخاله الحروفيات كعنصر أساسي في العمل الفني، ضمن تكوينات معاصرة تبرز استفادته من دراسته في الأكاديميات الغربية، مع تركيزه على نقل مشاهد من الحياة الدينية والاجتماعية التي تبيّن الخصوصية الجزائرية. 

الأرشيف
التحديثات الحية

المساهمون