مثقّفو الجزائر: احتفاءٌ بالمقاومة وتنديدٌ بالتطبيع

مثقّفو الجزائر: احتفاءٌ بالمقاومة وتنديدٌ بالتطبيع

21 مايو 2021
من مقابلة كروية ودية بين الفريقَين الفلسطيني والجزائري في الجزائر العاصمة، 2016 (Getty)
+ الخط -

لم يُصدِر المثقّفون الجزائريون بياناً موحًّداً للتنديد بالعدوان الإسرائيلي الأخير على الفلسطينيّين. غير أنَّ أسماء عددٍ غير قليلٍ منهُم تضمّنَتها بياناتٌ متفرّقةٌ أصدرها مثقّفون عربٌ هنا وهناك. وعلى مواقع التواصُل الاجتماعي، يُمكن تلمُّس مواقف لكثير منهم، مساندةٍ لمقاومة الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية، ومندّدةٍ بتطبيع بعض الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني.

لا يتوقّفُ الأمرُ عند مساندة الفلسطينّيين والتنديد المزدوَج بالعدوان الإسرائيلي والتطبيع العربي؛ فبعضُ الكتابات تسعى إلى تحليل الموقفِ وقراءته مِن زوايا متعدّدة، مثلما نقرأ في حساب الباحث والأكاديمي محمّد نور الدين جبّاب، الذي خصّص عدداً من المنشورات، منذ بدأ الأحداث الأخيرة، للتعليق على والتفاعُل مع ما يجري في فلسطين.

في إحدى منشوراته تلك، كتب جبّاب: "التلاحُم الوطني الكبير وغيرُ المسبوق، والذي أفصح عنه الشعب الفلسطيني في هبّته الوطنية ضدَّ الكيان الصهيوني، متجاوزاً كلَّ الخنادق الأيديولوجية والسراديب الفكرية والانتماءات الحزبية والحساسيات الجهوية يُفصح في تقديري عن أمرَين اثنين: الأول داخلي والثاني خارجي".

يُفصّل الأكاديميُّ الجزائري: "يتمثّل الأوّل في بروز جيل جديد من الفلسطينيّين في العشرينيات والثلاثينيات، شاهدناه يتصدَّر المظاهرات ويتصدّى لجيش الاحتلال، هذا الجيل الجديد الشاب هو جيل ثورة الاتصال والمعلوماتية الذي اكتشف وشاهد العالَم يتمتّع بالحرية والسيادة والاستقلال وهو لازال تحت الاحتلال والقهر... ومِن الجهة الأُخرى يشاهد سلطةً ينخرها الفساد وتقودها مجموعة من العجزة والعاجزين المكبَّلين باتفاقيات جائرة لن تُحقِّق الحلم الفلسطيني في الحرية والاستقلال والسيادة. أمّا الأمر الثاني، فهو اقتناع الشعب الفلسطيني أنه يجب الاعتماد على النفس في الدفاع عن وطنه وبلده بعيداً عن الأنظمة العربية التي ظلّت على مدار سبعين سنةً تتاجر بقضيته داخلياً وخارجياً".

يُريد البعض مِن المقاومة أن تضع سلاحها وتقف خلف الأبواب تسترق السمع لصرخات فلسطين

في منشوراتٍ أُخرى، عبّر جبّاب عن دعمه لـ"حركة المقاومة الإسلامية" (حماس) في مقاومتها للعدوان الصهيوني، وهو ما أثار بعض الانتقادات ضدّه، ليردَّ قائلاً: "تعلّمتُ وأنا طالبٌ في المراحل الأُولى في الجامعة أن أُفرِّق، في النضال وفي السياسة، بين التناقُضات الثانوية والتناقضات الرئيسية، وهذه التناقُضات ليست ثابتة؛ فقد يحدث، في لحظة تاريخية وفي موقف سياسي ونضالي، أن يتحوَّل الرئيسيُّ إلى ثانوي والعكس. يتجلّى ذلك أكثر في إطار جدلية الوطنية والاستعمار، مثلما هو الشأن الآن في فلسطين المحتلَّة والمغتَصبة؛ حيث يصبح التناقُض مع حركة "حماس" ثانوياً أمام الاغتصاب والاحتلال الصهيوني"، مختتماً بالقول: "لكن يبدو أنَّ البعض يطلب مِن المقاومة أن تضع سلاحها وتقف خلف الأبواب تسترق السمع لصرخات فلسطين وهي تُغتَصب".

أمّا الكاتب والشاعر عبد الرزاق بوكبّة، فكتب قائلاً: "لمستُ في انتفاضة الفلسطينيَين الحالية اختلافَها عن الانتفاضات السابقة مِن زاوية أنَّ الإنسان الفلسطيني تشرّب قناعةً تأخَّر في الإيمان بها إيماناً مطلقاً ونهائياً؛ هي أن ييأس من العرب شعوباً وحكوماتٍ ويعتمد على سواعده، بعد ما حدث خلال الشهور السابقة، حيث بلغت المتاجرة باسمه إلى حدّ التفاوض باسمه مع الأميركيّين والصهاينة تفاوُضاً لم يُفضِ إلى حلّ عادل للقضية الفلسطينية، بل أفضى إلى التطبيع. من أنت لتفاوض باسمي؟ والأكثر من ذلك، لتصف مقاومتي للاحتلال إرهاباً؟".

يُضيف: "قليلٌ من المنطق يجعل الإنسان الفلسطينيّ يتوصّل إلى حقيقة صارخة؛ هي أنَّ العربي الذي لم يجعل مِن بلدانه "المستقلة" منذ أكثر من نصف قرن بلداناً مستقلّة ومتقدّمة فعلاً، ليس مؤهَّلاً لأن يساعده على استقلاله". وفي السياق نفسه، كتب في منشور ثانٍ: "لن أنتظر مستقبلًاً أن يُحرّر العرب فلسطين، بل أن تحرّر فلسطين العرب. وسيحصل هذا يوماً. انتصارها الرمزي اليوم شكّل جرعة كرامة، بعد إهانات التطبيع الأخيرة".

المطبِّع في وضع أخلاقي حرج؛ فلا هو قادر على الوساطة، ولا هو يمتلك مبرّرات استمرار التطبيع

الإعرابُ عن اليأس مِن أي دورٍ إيجابي للأنظمة العربية في المسألة الفلسطينية يكاد يكون القاسم المشترك بين كثير من كتابات الجزائريّين على فيسبوك؛ فهذا الأكاديمي والناقد مشري بن خليفة يكتب: "الشعب الفلسطيني يُسطِّر طريق النصر لوحده، بعد أن باعه العرب بالتطبيع، والكيان الصهيوني ينهار من داخله ويتآكل بعد أن أدرك بعضهم أنّ هذا الشعب أكبر من بطشهم، وأنّ كل مخططاتهم انهارت وسقطت أمام إصرار أجيال من الفلسطينيّين على افتكاك الحرية والبقاء في أرضهم وكتابة ملحمة بطولية إنسانية، وهذا باعتراف كثير من نخبهم الذين كتبوا عن قدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة الصهيونية وأكاذيبها وأساطيرها وخرافاتها التاريخية".

وأضاف: "سينتصر الفلسطينيّون مهما طال الزمن ومهما اشتدّت المحن، لأنهم شعب متشبّث بأرضه وحقّه المشروع في الحرية، حتى وإنْ تخلّى بعض العرب عن حلمه وعانقوا عدوّه. كلُّنا فلسطين".

وعلّق الباحث والأكاديمي عبد الرزاق بلعقروز على إعلان الهدنة بين حركة "حماس" وحكومة الاحتلال الإسرائيلي: "المقاومة قيامٌ وتجاوُز وفعل... والتطبيع ارتكاس. فلسطين تنتصر". وفي منشور سابق كتب: "المطبِّع في وضع أخلاقي مقيت؛ فلا هو قادر على التوسُّط عند الذين طبّع معهم لوقف الإيذاء؛ ولا هو يمتلك مبرّرات استمرار التطبيع".

وكتبت الناشرة آسيا موساي: "ملوك ورؤساء دول عربية لا يجدون شيئاً يُقدّمونه للفلسطينيّين في هذه الظروف الأليمة سوى الدعاء وتغريدات بائسة على مواقع التواصل، مثلهم مثل أي مواطن عربي قليل الحيلة. قاتَل الله العجز والنفاق والخيانة".

من جهته، كتب الباحث عبد العالي زواغي: "الاحتلال الصهيوني يمشي قُدُماً نحو فنائه. الخيانات فقط من مدّت في عمره"، مُضيفاً: "إننا نرقب فجر تلك اللحظة، وإن قالوا لنا إنها لا تجيء، تماماً مثلما قالوا إنّ فرنسا قدرٌ وحتمية يستحيل تجاوُزُها بعد 132 سنة من الاحتلال والطغيان والجبروت".

يقولون إنَّ لحظة التحرُّر لن تأتي، تماماً مثلما قالوا إنّ الاحتلال الفرنسي أصبح قدراً بعد 132 سنة

أمّا الشاعر ناصر باكرية، فتناول الموضوعَ مِن زاوية جدوى التضامُن؛ حيث كتب متسائلاً: "نتضامن مع المعتقَلين والمتظاهرين السلميّين ضدّ الاستبداد والقمع؟ نتضامن مع الاستاذات المعتدى عليهن بباجي المختار ضد الهمجية والعنف؟ نتضامن مع الأساتذة في معركة الكرامة التي يخوضونها منذ زمن طويل؟ نتضامن مع العمّال ضدّ بطش الرأسمالية الجزائرية القبيحة؟ نتضامن مع المقهورين والمظلومين في غزّة وباقي فلسطين ضد همجية الاحتلال والتواطؤ الدولي؟"، قبل أن يُجيب: نتضامن مع أنفسنا لأنّنا كلُّ هؤلاء. نتضامن بكل ما اوتينا من ضعف، ولو بهاشتاغ أو مشاركة منشور، وذلك أضعف الايمان".

وتحت عنوان "الفينيق الفلسطيني يقوم من رماده"، كتب الروائيُّ واسيني الأعرج: "ينسون بسرعة أنَّ المأساة الفلسطينية هي مأساة احتلال قبل أي شيء آخر، وأنَّ الخروج إلى الشوارع لمناصرة شعب مضطهد، هو وقوف مع الحق للتحرُّر من قيد الاحتلال والغطرسة التي وصلت إلى أقصى درجات احتقار البشرية التي بقي في وجهها بعض دم الخجل".

وكان الأعرج يُعلّق على منع السلطات الفرنسية، قبل أيام، مسيرة تضامُنية مع الشعب الفلسطيني في باريس، حيثُ يُقيم حالياً، وهو ما اعتبره "ضرباً لحقّ التظاهر الذي يضمنه القانون الفرنسي"، مضيفاً: "هل أصبح التضامن حتى بالكلام مخيفاً؟ شعبٌ يتمّ طرده من مساكنه وتقتيله وتهديم بيوته على رؤوسه، وبناياته على مرأى من العالم الحر (الذي لم يعد حرّاً إلّا في الخطاب)، وكأنَّ الذين يموتون اليوم في فلسطين ليسوا بشراً يستحقّون العيش، أو هُم من الصنف البشري الثانوي، أطروحة آرية غير معلَنة يُعاد اليوم إنتاجها أوروبياً في ظلّ يمين متطرّف نفخته الأزمات المجتمعية لدرجة أنّ اليمين التقليدي الهزيل والمهزوم والخاسر في مشاريعه أصبح يميل اليوم نحو اليمين المتطرّف".

وأضاف: "أسباب منع المسيرة رسمياً من طرف وزارة الداخلية هي التخوُّف من الانزلاقات والهجوم على المؤسسات الدينية اليهودية، مع أنَّ أمراً مثل هذا يتم التحكم فيه بسهولة. لقد قدّم المنظمون كل الضمانات. الهجوم على الأماكن الدينية لا يحتاج إلى مسيرات؛ فقد تعرّضت المساجد والأمكن الدينية إلى هجمات عديدة وكتابات عنصرية هي من لغة اليمين المتطرّف. وطبعاً قُيّد كل شيء ضد مجهول ولم نعد نسمع بالقضية".

المساهمون