"كوكبة الأمنيات المتعدّدة": ذاكرة حركة عدم الانحياز

"كوكبة الأمنيات المتعدّدة": ذاكرة حركة عدم الانحياز

28 ابريل 2023
جانب من عمل الفنانة السلوفينية نيكا أوتور (من المعرض)
+ الخط -

وسط الصراع المحتدِم بين معسكرَين، غربيّ بقيادة الولايات المتحدة وشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، برزت حركة "عدم الانحياز" التي سعى أعضاؤها إلى تحرُّر بلدان الجنوب من تبعيتها لبلدان الشمال، مُستندين إلى أدبيات وتنظيرات شكّل كلٌّ من الأدب والفنّ والفكر مجالاً أساسياً لها، بقدر ما تمثّلت خطاباً سياسياً.

دعا مثقّفون من الدول الأفريقية والآسيوية المنطوية تحت الحركة إلى الانفكاك من هيمنة القطبَين الرأسمالي والاشتراكي، من خلال تأسيس "بيناليات" في الإسكندرية وبغداد وهافانا وغيرها، وتكريس أدوار اجتماعية تقدّمية للمُتحف خلافاً لنشأته كفكرة استعمارية قامت على النهب واحتكار الفنّ، إلى جانب ظهور أُولى المطالبات باستعادة الأعمال الفنية التي كان قد تمّ إخراجها من العالم الثالث زمن الاستعمار.

يعكس المعرض أفكار التضامن والتبادل الثقافي والمقاومة

حتى الرابع من حزيران/ يونيو المُقبل، يتواصل في غاليري "موزاييك روومز" بلندن، معرضُ "كوكبة الأمنيات المتعدّدة" الذي افتُتح في السابع عشر من شباط/ فبراير الماضي، ويضمّ موادّ أرشيفية وأعمالاً فنّية تعكس أفكار التضامن والتبادُل الثقافي والمقاومة التي اقترحتها حركة عدم الانحياز في الستينيات.

يُحيل العنوان إلى تلك التصوّرات التي سادت حول اشتراكية مثالية تتبنّى الحرّية والديمقراطية، ورغم أنه انتهى أصحابها من الفنّانين إلى هزائم متتالية حيث أخفقت الثورات التي آمنوا بها، وتحوّل العديد منها إلى أنظمة استبدادية شمولية، إلّا أن قيّمة المعرض بوجانا بيشكور تستند في نطاق بحثها إلى الاستفادة من تجارب الماضي والبِناء عليها.

الصورة
(عمل للفنان الجزائري شكري مسلي، من المعرض)
(عمل للفنان الجزائري شكري مسلي، من المعرض)

وتستكشف بيشكور الآثار السياسية والثقافية لهذه الحركة العالمية، ليس من باب توثيق منشوراتها، وخطابات أعضائها المئة والعشرين في ثماني عشرة قمّة انعقدت، آخرها في أذربيجان عام 2019، بل للتفكير في إمكانيات التعاون المستقبلي بينهم، وتعزيز التواصُل بين المؤسّسات والفنّانين الذين ينتمون إلى تلك الدول، ويركّزون على القضايا الاجتماعية والسياسية.

رغم انعدام تأثير "عدم الانحياز" منذ عقود طويلة إلّا أنّ المعرض يُضيء التشابه بين الظروف التي انبثقت خلالها الحركة وبين اللحظة الراهنة، حيث يبدو الصراع الأميركي - الروسي، وحالة الاستقطاب الحادّة بين الطرفين، قريباً من أجواء الحرب الباردة، ما يعني عودة الحلم بنهضة بلدان الجنوب وأمنيات شعوبها بعالم مختلف.

الصورة
(عمل للفنانة المصرية إنجي أفلاطون، من المعرض)
(عمل للفنانة المصرية إنجي أفلاطون، من المعرض)

يضمّ المعرض لوحة للفنان الجزائري شكري مسلي (1931 - 2017)، تحمل عنوان "تشكيل"، بوصفها واحدة من نتاجات أحد التشكيليّين الذين انخرطوا في الثورة التحريرية ببلاده ضدّ الاستعمار الفرنسي، وآمن بالحداثة التي تُوظِّف التراث وتستفيد منه في سبيل بناء الهوية الوطنية، ولوحة أُخرى للفنّانة المصرية إنجي أفلاطون (1924 - 1989) بعنوان "الفلاحة والموز"، حيثُ المرأة فيها تشارك بالعمل إلى جانب الرجل في مجتمع اشتراكيّ يُحارب الفقر والاستغلال الطبقي والاستعمار.

كما يُعرض فيلم "الجانب ب" للفنّان الغاني لاري أتشامبونغ (1984)، والذي يتناول حياة شقيقَين يعيشان بين بريطانيا وغانا، حيث يُواجهان الاكتئاب وحياةً قلقة لا يُمكن فصلها عن الأزمات في بلادهما ما بعد الاستعمار، إلى جانب عمل للفنّان التشكيلي العراقي خضير الشكرجي (1937 - 2005) الذي قدّم مشاهد من الواقع الاجتماعي في بلاده بعد الاستقلال بمناخات انطباعية مختزلة التفاصيل.

ويشتمل المعرض أيضاً على عملٍ للفنان الفلسطيني كريم دباح (1937 - 2021)، يعتمد تقنية الحفر على النحاس، ويتضمّن مقطعاً من قصيدة لمحمد مهدي الجواهري، ونُفّذ احتفاء بالصداقة اليوغسلافية - الفلسطينية؛ وعملٍ للفنانة السلوفينية نيكا أوتور حول خطّ سكك حديد ساماك - سارايييفو بعد مرور أكثر من سبعة عقود على تأسيسه في زمن الزعيم اليوغسلافي جوزيف تيتو أحد مؤسسي حركة عدم الانحياز. بالإضافة إلى أعمال الفنّانين: المصري باسم مجدي، والكويتية - البورتريكية علياء فريد، وكورس (الاسم الذي يتّخذه الفنّانان الصربيان ميلوش ميليتيتش وميريانا رادونافيتش لتقديم أعمالهما)، وغيرهم.

المساهمون