كان في الجهات الأربع من كوكبنا

كان في الجهات الأربع من كوكبنا

31 يوليو 2021
هنري ديلوي
+ الخط -

مرسيليا قاسمنا المشترك، 

في الغالب، يبدأ كل شيء هكذا؛ 
أُلفةٌ وتعاونٌ بين شعراء يُطلقون مجلات، ينظّمون مهرجانات، لهم أصدقاء مشتركون، ويُسافرون كي يقولوا هناك ما يحدث هنا. وهنا يُخبرون بما شاهدوا وبمن التقوا هناك.
مع هنري كان الأمر كذلك.

مجلة "أكسيون بويتيك" من 1958 إلى 2012
البينالي الدولي للشعراء في فال دو مارن من 1991 إلى 1997
جوزيف جوليان غوغليالمي، جان جاك فيتون، وليليان جيغودون، كي لا أذكر إلا الأقدم والأكثر اجتهاداً وحضوراً.
هنري كان في الجهات الأربع من كوكبنا الكروي..

رغم نقاط الالتقاء الكثيرة، نحن الاثنين، كان لقاؤنا في بداياته مُعقّداً. ينبغي أن نستعيد القدرة على التذكّر، أو على تمثّل القوة التي لا تصدّق لليسار وقتها، لا فقط انتخابياً، بل وبالخصوص ثقافياً. وإذا أردنا التخصيص أكثر ففي مجالات الفن والشعر.

في ذلك الزمن، كنّا جميعاً من اليسار
اليسار لم يكن آنذاك مفهوماً مُحايداً، بلا طعم ورائحة، بلا مضمون ولا دلالة. 
لم يكن مفهوماً توافقياً، ولا قابلاً للتصريف مع أي كان
كان اليسار وقتها قوة حقيقية. كنتُ مع بعض أصدقائي الفوضويين والليبرتاريين صيغة مستقلة من اليسار، وكان هنري شيوعياً بالكامل منتمياً لحزب.
خلق هذا الوضع نقاشات رائعة، وبعض المشادات، ولكن في النهاية خلق الكثير من الروابط وصداقة حقيقية.
وإلى ذلك، لدينا مرسيليا كقاسم مشترك، هذه المدينة التي تضم كل الألوان بقُراها المئة والأربعين ناهيك عن شواطئها وجزرها.
 
أذكر هنري وعشقه للطبخ. يا لها من ذكرى حين أسترجع إحدى قراءاته الشعرية على خشبة "تياتر دي برناردين". كان يطهو اللحم للجمهور. ولا أحد يمكنه أن يَعقد بيني وبينه اتفاقاً، كان يرى أن الزيتون الأخضر ينبغي أن يرافق أكلة الكاييت caillettes، أما أنا فأقول إنه ينبغي أكلها مع الزيتون الأسود. وفي النهاية، حدث أن تذوّقتها مع الزيتون الأخضر.
 
هنري كان متحزّباً ومناضلاً سياسياً، نعم، ولكن قبل كل ذلك هو متحزّب ومناضل من أجل الشعر.
حين نقرأ مجلّته، وحين نكتشف ضيوف البينالي الذي يديره، نتأكّد من كرمه ومن نزعته للانفتاح.

هذا الانفتاح وهذا التعطّش، هذه الشهية للآخرين نجدها في عدد كبير من الأنطولوجيات التي وضعها أو أشرف على نشرها.
من "الأنطولوجية العشوائية للشعر الجديد 1960 - 1982. ثلاثون شاعراً" لدى منشورات "فلاماريون" في 1983، إلى "شعراء الحداثة الهولنديون" في 2011 مروراً بـ"أنطولوجيا مغايرة" و"أنطولوجيا الظروف"، و"أنطولوجيا اللقاءات"، أو "الأنطولوجيا الآنية" دون أن ننسى الأنطولوجيا التي أنجزها عن التروبادور. 15 أنطولوجيا في المحصلة.

شهيته مفتوحة أيضاً كمترجم، حيث نقف على فضوله وكرمه.. من أدريان رولان هولست (منشورات "سيغير"، 1954)، إلى آنا أخماتوفا عن "أل دانتي" في 2015. ومن فرناندو بيسوا وألكسندر تفاردوفسكي وشعراء ألمانيا الشرقية، والشعراء السلوفاك والتشيك والسوفييت ومنهم فلاديمير ماياكوفسكي وأوسيب ماندلشتام.

إنه الكاشف الذي أضاء القرن العشرين الشعري وفوق كل ذلك كان هو نفسه شاعراً.

في عيد ميلاده الثمانين، أي منذ قرابة عشر سنوات، احتفلنا في فضاء "مونتيفيديو" في مرسيليا، تحدّث وكأنه يعترف. تطرّق إلى علاقة الشعر بالشيوعية. شعرنا بأننا نُقاسمه العاطفة على الرغم من أننا جميعاً لم نكن نُقاسمه القناعات.

كيف يكتب؟

"من المستحيل الإجابة
من المستحيل التفكير

تغطية، رفع إلى فوق

في الكثافة
في العمق
 
التناسق
لا تستعمِل القوة إلا في الداخل". 
(من مجموعة "الأشجار السوداء"، 2006)
 
ثم، لا بدّ من إضاءة على هنري المُغوي: 

"قماشُكِ في الصوت
صغير إلى حد تمزيقه فمكِ
 
عَبْرَ عينيّ اللتين لا تزالانِ تريانكِ 
شفافيةً مستحيلة".
(من مجموعة "الألْف"، 1979)
 
في عمري هذا، أصبحتَ - يا هنري - منذ ثلاثاء رحيلك، أكثر قرباً من جهتكَ، أقرب من جهتي.


* Julien Blaine شاعر فرنسي. صديق لـ هنري ديلوي، والنص خاص بـ"العربي الجديد"

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون