في البَدْءِ كانت النهاية

في البَدْءِ كانت النهاية

26 ديسمبر 2020
تيمور دفاتز/ روسيا
+ الخط -

كل الطرق تؤدي إلى برلين

في البَدْءِ كان قميصكِ، وكان الرجالُ يلفظون اسمكِ وكأنَّهم ينادون أمَّهاتهم، مررتُ بجانبكِ وأنتِ تحاولين تفسيرَ الماءِ للبحَّارة، فأُسْقِطَ في يدي، وتسرَّبَ البَلَلُ إلى دفتري. كلُّ الطُّرقِ تؤدِّي إلى برلين، قُلْتِ، فرميتُ بوصلتي وأحببتُكِ من ثالثِ نظرة. أتؤمنين بالحبِّ من ثالثِ نظرةٍ؟ قُلْتِ لا، وكانت الأشياءُ معكوسةً وكأنها خارجةٌ من مرآةٍ فظننتُها تعال، ولما عُدْتُ إلى قومي لأبشِّرهم بكِ كفروا بي وقالوا آتنا بآيةٍ إنْ كنتَ من الصَّادقين، فلما رميتُ قميصَكِ خرُّوا ساجدين.

في البَدْءِ كان قميصكِ، وكانتِ الأشياءُ معكوسةً وكأنَّها خارجةٌ من مرآة، كانتِ المدينةُ تسيرُ مبتعدةً عن القطار، جسدُ المقاتلِ يطيرُ نحو الرصاصةِ، المدى ينظرُ من نافذةِ القطارِ نحو عيني، واللغةُ العربيةُ تحاولُ أنْ تقولَ شيئًا من اليسارِ لليمين.

في البَدْءِ كانت النهاية.

(2017)

■ ■ ■

كلُّ شيءٍ على حاله

الحزنُ الأخضرُ الذي تركتيه في منزلي حين رحلتِ لا يزالُ طريَّاً، صوتُكِ الذي يجلسُ صامتًا على الكرسيِّ الهزَّاز وينظرُ نحو الأغنية في الراديو، عَرَقُ كفِّكِ العالقُ على مقبض الباب، أنينُ خشب الأرضية في غرفة النوم تحت قدميكِ الحافيتين، والأرقُ الذي ينام على الأريكة مثل قطٍ عجوز، كلُّ شيءٍ على حاله.

شَعرُكِ العالقُ بين أنيابِ المشط، أريجُكِ الذي يسيلُ كالوقتِ المُستقطعِ من ساعة الحائط نحو الساعة السادسة مساءً، بخارُ الماءِ الذي تركته أنفاسُكِ على زجاج النافذة، غزالكِ الذي يفترسُ أصابعي بهدوء، والزمن الذي يتمشى في غرفتي عكس اتجاه عقارب الساعة، كلُّ شيءٍ على حاله.

أشياؤكِ الموزعة في أرجاء المنزل كأنها حقل ألغام، سلةُ البلح الذي قطفتيه من نخيل القُطب الشمالي لا تزال على الطاولة، المواعيدُ المصابة بالألزهايمر، غيابُكِ الذي يحضرُ حين تغيبين، والصمتُ الذي ينمو كيدٍ مقطوعٍة من شجرةٍ، كلُّ شيءٍ على حاله.

أحمرُ شفاهكِ المضيءُ كإشارةِ المرور على الكأس، الأيامُ التي تتساقطُ من الرزنامة، طيفك الكهرومغناطيسي يتردَّدُ على الموجة القصيرة، نَظَّارَتُكِ الشمسية تراقبُ اختلال أشهري القمرية، وحضورك السوريالي كشجرة زيتونٍ في شمال السويد، كلُّ شيءٍ على حاله. 

بصماتُ أصابعك العالقةُ على الورد الذابل في المزهرية، رياحُ التغيير التي تهبُّ من النافذةِ المُغلقة، الذكرياتُ التي فقدت الذاكرة، قلمُ الكُحل العربي الذي يكتبُ باللغة الإنجليزية، وطائرُ الليل يخفقُ في قفصي الصَّدري، مُشعًا كاليورانيوم المُخَضب، قلقًا كالشعراء الصعاليك، ورقيقًا كالنبي محمد.

(2020)


* شاعر فلسطيني سوري مقيم في ستوكهولم

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون