فرناندو بيسوا.. الشاعر في عوالمه النثرية

فرناندو بيسوا.. الشاعر في عوالمه النثرية

28 يوليو 2021
(فرناندو بيسوا في عام 2014، Getty)
+ الخط -

يكتب فرناندو بيسوا في يومياته "وضعي الذهني يجعلني أكره بدايات ونهايات الأشياء، لأنها نقاط محددة. تعذبني فكرة العثور على حلول للمسائل العلمية والفلسفية، بما في ذلك أرقاها وأنبلها. ويرعبني القول إن الله، أو العالم، يمكن أن يقرر مصير أي شيء. وأكاد أجن حين يتناهى لسمعي القول إن الأشياء يجب أن تكون كاملة وأن الناس يجب أن يصيروا يوماً ما سعداء كلهم وأنه ينبغي العثور على حل لجميع أمراض المجتمع. أنا لست شريراً أو قاسي القلب. أنا مجنون، ومن الصعب فهم ذلك".

ويتحدّث الشاعر البرتغالي (1888 – 1935) في أعماله النثرية التي أصدر إدوين هونيغ مختارات منها عن الأسماء المستعارة التي كتب بها، ويتجادل مع هوياته المتعدّدة، في عدد من الرسائل والمقالات النقدية التني تضمّنت آراءه في الشعر والفنون الدرامية والبصرية وعلم النفس والجمال.

"مدهوش أبداً.. مختارات نثرية" عنوان النسخة العربية من كتاب هونيغ التي صدرت حديثاً عن "دار الكتب خان" في القاهرة، بترجمة نزار آغري ويضمّ اليوميات الخاصة لبيسوا والحافلة بالأفكار التي شغلته وألهمته، بالإضافة إلى خمس وعشرين قصيدة له.

يضمّ الكتاب اليوميات الخاصة للشاعر والحافلة بالأفكار التي شغلته وألهمته

جملة من الشذرات النثرية التي يقدم من خلالها الشاعر رؤيته لطبيعة الفن والإنسان والهوية، ذاته وحدسه وثقافته المتعمقة بتاريخ وطبائع الشعراء السابقين، باحثاً عن هويته المراوغة أباًا والتي يرغب هو أيضاً في نسيانها ومراوغتها، بارتداء العديد من الأقنعة كالممثل الذى يتشظى إلى شخصيات عديدة، وبحيث يصبح التنوع والفقد الدائم لهوية وحدة ثابتة أكثر ثراءً وجمالاً.

ويحلّل بيسوا في الكتاب مشاعره ورؤاه الخاصة عن شكسبير وويتمان وكيبلنغ وغيرهم من الشعراء، من خلال لغة مشحونة وحميمية، تتخذ شكل اليوميات الشخصية والتأملات، حيث يدوّن "أنا الآن أملك دراية كاملة بقوانين الفن الأدبي. لم أعد بحاجة إلى شكسبير كي يهذبني ولا إلى ميلتون كي يرقيني. لقد بلغ عقلي مستوى عالياً من المرونة والطواعية يمكنني من التعبير عن أي إحساس أرغب في إظهاره وأن أتبنى أي حالة ذهنية بإرادتي الخاصة. ليس ثمة أي كتاب في مقدوره أن يساعد المرء للوصول إلى تلك الحالة التي يشقى ويجاهد للوصول إليها، أعني الكمال".

الصورة
غلاف الكتاب

يحتوي الكتاب على نصوص ظهرت بعد رحيل بيسوا في شقة شقيقته في لشبونة وبقيت هناك، مع مكتبته وأوراقه، إلى وقت متأخر، حيث قام الناشرون والباحثون لاحقاً بتمحيصها وعرضها للبحث والنقاش حول جوانب غير واضحة من شخصيته ورؤيته كما تبيّن معالم الحداثة في البرتغال.

يقول بيسوا في هذه اليوميات "ثمة شعر في كل شيء، في الأرض وفي البحر، في البحيرة وعلى ضفة النهر. في المدينة أيضاً، لا تنكر ذلك. بل إني أراه هنا حيث أجلس: هناك شعر في الطاولة، في هذه الورقة، في هذه المحبرة. هناك شعر في صخب مرور السيارات في الشارع، في كل دقيقة من الحركة العادية المضحكة للعامل اليدوي، الذي، على الجانب الآخر من الشارع، يصبغ يافطة دكان القصاب".
 

المساهمون