عودة الاسم الفلسطيني

عودة الاسم الفلسطيني

20 مايو 2021
كمال بُلّاطه/ فلسطين (جزء من لوحة)
+ الخط -

أشياء كثيرة كانت معطّلة في الضمير العربي ثمّ تدفّقت دون مقدّمات، بعد معاينة الغطرسة الصهيونية نهاية رمضان الماضي، ضمن أحداث حي الشيخ جرّاح في القدس المحتلة، والتي باتت اليوم أحداثَ مجمل أراضي فلسطين بلا استثناء.

أعادت يوميات العدوان الصهيوني الأسماء الفلسطينية إلى واجهة الوعي. صارت القدس وغزة وحيفا عملات متداولة في الخطاب اليومي (الشعبي تحديداً)، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لخريطة فلسطينية وكأنها تقدّم دروساً في الجغرفيا، وأكثر من ذلك راجت معها تصحيحات من قبيل: ليس اسمُها أشكلون بل عسقلان، ليس اسمها بير شيفاع بل بئر السبع، ليس اسمها إيلات بل أُم الرشراش، ليس اسمها تسيبوري بل صفورية (...).

حضور القضية هو حضور أسمائها كمستوى أوّل، ولكن هذه العودة التي أتت مسربلة بأعمدة الدخان وغبار الأنقاض تشير إلى ما كان معطّلاً في الثقافة العربية. فهذه الأسماء وهذه الخرائط وهذه التصحيحات كان من الممكن أن تكون حاضرة بشكل منتظم عبر "إمدادات" المنتجات الثقافية؛ من خلال الروايات والأفلام والدراما والفنون البصرية والصحافة والأغنية وغير ذلك من الأشكال الإبداعية، فهي التي تنقل الأسماء والمشاعر والمواقف وزوايا النظر فتجعلها متداولة بين الناس.

يوميات العدوان الصهيوني أعادت الأسماء الفلسطينية إلى واجهة الوعي

تبدو خطوط الإمداد الثقافي التي تربط بين القضية والناس مقطوعة منذ زمن، أو أنها تشتغل بالحد الأدنى، إذ تراكمت حولها طفيليات التتفيه والفساد فكادت تخنقها، وها هي تنتفض فنعرف قدرتها على الحفاظ على ارتباطها العميق بضمائر الشعوب. لكن هذا الانتفاض يبدو حينيّاً، والتفاف الناس حوله مناسباتيٌّ، وإن وُجد فهو يقوم في الغالب على مادة ثقافية قديمة تستعاد كنوستالجيا أكثر من كونه تدفّقاً إبداعياً يأتي كتغطية جوية ترافق ما يحدث في الأرض.

ونحن في زخم جديد للمقاومة الفلسطينية، علينا أن نؤكّد أن الالتفاف حول فلسطين ثقافياً لا ينبغي أن يكون مجرّد مناسبة، فمن المحزن ألا يستدعي الوعي العربي غير إراقة الدم الفلسطيني.

تحتاج قنوات الربط مع فلسطين إلى رعاية موصولة، وتظل الثقافة بمختلف مكوّناتها الطريق الأقصر إلى النفوس، لكنها معرّضة باستمرار للقصف الناعم وللذهاب في طرق جانبية لا تؤدّي إلى أي مكان. وإذا عدنا بالذاكرة إلى سنوات غير بعيدة سنجد أن بعض الأعمال - ذات الأفق الفلسطيني - قد نجحت في اختراق القباب الحديدية لتزييف الوعي - بيسر ودون مناسبات - منذ أن توفّرت لها مقوّمات الصدق والمقدرة الإبداعية، مثل مسلسل "التغريبة الفلسطينية" لـ حاتم علي ووليد سيف، وقد عُرض أوّل مرة في 2004، ورواية "الطنطورية" لرضوى عاشور (صدرت في 2010).

تراكُمُ مثل هذه الأعمال يمكن أن يوفّر - زمن اشتعال الأحداث - أرضية صلبة لكل تحرّك، حيث تمارس دورها في شحن الهمم وإلهام الأذهان. حتى وسائل التواصل الاجتماعي التي تعتبر منصّات لتزييف الوعي تتحوّل - متى وجدت المادة المناسبة - محامل توصل الفكرة والمعلومة إلى أصحابها، وها قد فعلت ذلك بنجاح مع الخرائط الفلسطينية، ولها أن تقوم بالدور نفسه مع القصيدة والمقال الفكري والإضاءات التاريخية، ومع كل ناقلات الصوت الفلسطيني. ولتكن عودة الأسماء الفلسطينية مقدّمة لعودة الجغرافيا.

المساهمون