علي عبد الأمير صالح.. نصوص الحداثة الأفريقية الأولى

علي عبد الأمير صالح.. نصوص الحداثة الأفريقية الأولى

01 اغسطس 2021
فريد أبوجا/ كينيا
+ الخط -

مع تنامي حركة الترجمة من آداب القارة السمراء إلى اللغة العربية في السنوات الأخيرة، فإن الاهتمام بها يتأتى عادة بعد الاعتراف الغربي بتجارب معينة دون محاولة لبذل مزيد من الجهود من أجل تواصل ثقافي مباشر يكون عماده الترجمة عن اللغات الأفريقية المحلية التي تتضاعف الكتابة والتأليف بها عاماً بعد عام.

"بواكير الأدب الأفريقي" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً عن "دار خطوط وظلال" في عمّان، ويضمّ مجموعة من الدراسات نقلها إلى العربية وقدّم لها القاص والمترجم العراقي علي عبد الأمير صالح (1955)، ويضيء فيه السياقات الثقافية في بلدان مثل كينيا ونيجريا وجنوب أفريقيا.

يميّز صالح في التقديم بين جيلين من الكتابة الأفريقية؛ الأول ينتمي إلى حقبة ما قبل الاستقلال والآخر إلى ما بعده، حيث يعتبر عام 1960 تاريخاً تقريبياً بالغ الأهمية في الفصل بين الحقبتين، حيث ساد الكتّاب الذين يتحدّثون الفرنسية خلال فترة الاستعمار مقابل نشاط ضئيل في البلدان الأفريقية الخاضعة للاستعمار البريطاني مثّلته روايات تشينوا أتشيبي وسيبريان إكوينسي.

يضيء الكتاب السياقات الثقافية في بلدان مثل كينيا ونيجريا وجنوب أفريقيا

واهتمت كتابات هذه الحقبة، بحسب المترجم، بموضوع الصراع الثقافي بين أفريقيا وأوروبا وكان أقوى تعبير لها لدى الكتّاب المتأثرين بـ"الزنوجة"، وكانت تدور حول المجتمعات الثقافية التقليدية وأثر الوجود الأفريقي في حضاراتها، موضحاً أن الكتّاب الأفارقة تأثّروا في تلك الفترة بتنظيرات الكاتب المارتينيكي فرانز فانون خاصة في ما يتعلّق بالعنف الذي رأى أنه ليس مجرّد ضرورة سياسية، باعتباره الأسلوب الوحيد المتاح أمام أبناء المستعمرات للتخلّص من نير الاستعمار فحسب، إنما هو شكل من أشكال بعث الحياة الحقيقية في المجتمعات التي مّزقها الاستعمار.

وحول الأدب الشفهي، يشير صالح إلى أن جزءاً كبيراً من الأدب الأفريقي مكتوب بغرض تأديته أداءً حيّاً، إذ يعتمد على المزج وإعادة الصياغة وتعدّد أشكال الحكاية الواحدة، ويحتشد بالأمثال والألغاز والمأثورات الشعبية، أي العناصر التي ترتكز على التفاعل بين الراوي والمؤدي من ناحية وبين مستعميه من ناحية أخرى، وكلّها تتبدى أيضاً في الأدب الحديث المكتوب باللغات الأوروبية الأكثر شيوعاً في القارة، وهي الفرنسية والإنكليزية والبرتغالية.

وينتقل الكتاب بعدها للحديث عن تاريخ حركة الزنوجة التي نشأت في ثلاثينيات القرن الماضي على يد طلاب من جزر المارتينيك في باريس عام 1933، والتي تمّ رفدها بعد ذلك الشاعر المارتينكي إيميه سيزار لتتبلور في أفكار مناهضة للعنصرية تهدف إلى مقاومة سياسات الاحتواء التي تتخذها السلطات الاستعمارية، وبخاصة الفرنسية منها، وكان الشعر أهمَ وسيلة للتعبير عن هذه الحركة من خلال قصائد تمجّد ماضي أفريقيا وتندّد بالهيمنة الغربية وتعصبها وعنصريتها.

الصورة
غلاف الكتاب

يلفت صالح إلى ظهور عدد من الشعراء المجيدين في حقبة ما بعد الاستعمار، خاصةً في نيجيريا، ومنهم وول سوينكا وجي. بي كلارك وكريستوفر أوكيجيو وغابرييل أوكارا وليزي بيترز وجورج أوونر –وليمز، وتستند معظم كتاباتهم إلى الشعر الإنكليزي المعاصر وتعبّر عن المدركات الحسّية للعالم أكثر من كونها مجرّد وصف كما كانت الحالة سابقاً.

ويخصّص الكتاب فصلاً عن الأدب في كينيا الذي يوضّح فيه تطوّر المشهد الثقافي في غرب القارة السمراء مقارنة بشرقها حتى منتصف الستينيات، ومن أبرز الكتّاب الكينيين يبرز اسم نغوجي واثيونغو الذي ناقش في أعماله الروائية الصراع بين الثقافة التقليدية والحداثة، وبين القيم الأوروبية والأفريقية وتعقيد الحوافز الاقتصادية والسياسية والثقافية المكونة لهذا الصراع مثل روايات "النهر الوسيط" و"لا تبكِ يا ولدي"، و"حبة قمح".

ويوضّح صالح أن الأدب النيجيري تأثّر بعوامل ثلاثة أساسية، هي: الأدب الإنكليزي، والعرف الشفوي للحكايات الشعبية الأفريقية، والأغاني والأعياد والمهرجانات، بينما كانت التحوّلات الاجتماعي هي الثيمة الشائعة في القصة مثلما تصورها أعمال جاغوا نانا ونكيم نوانكوو وغيرهما.

وحول الأدب في جنوب أفريقيا، يتحدّث الكتاب عن بداياته المرتبطة بالآداب المكتوبة بالإنكليزية في كندا وأستراليا في نهاية القرن الثامن عشر، قبل أن تصبح الأحاسيس المتعلّقة باللون والعرق هي الموضوع المستمر ودائم الحضور، وكيف عبّرت الكتابات الأدبية عن طبيعة الانقسام لدى المثقفين في البلاد على خلفية مواقفهم من نظام التمييز العنصري.
 

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون