طباشير

طباشير

25 يناير 2024
طفلٌ فلسطيني في مدرسة برفح، 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 (Getty)
+ الخط -

الطباشير.
هل توقّفت مرّةً للتفكير به منذ أن تركتَ المدرسة؟
الطبشور ناعم. مادّة مصنوعة من حبيبات 
من كالسيت المعدن والبذيرات الجيرية.
يمكن سحقها بسهولة
كما أنّها تنجرف مع المطر.
تُرى هل يمكن أن تجرفها الدموع؟
الأطفال ناعمون،
وهُم مصنوعون من العظام (البروتين والكولاجين والمعادن، وخاصّة الكالسيوم).
يمكن سحقهم بسهولة.
غزّة كرة ثلج،
والعالم يتأمّل جوفها.
كلّ ندفة شظيّة
ونقاطٌ صغيرة في الداخل
تتراكم لتُشكّل أرتالاً من النمل.
تُرى هل تشعر بالتشنّج في حفرة معدتك
في الصباح، حين تُشغّل الشاشة
والأرقام ترتفع؟
تُرى هل تذهب إلى السرير ولا يمكنك النوم
لأنك لا تستطيع أن ترى في الظلام إلّا
أطرافاً ملتوية تحت الركام،
شفاهاً جافّة ومتشقّقة تنزف آهات مكتومة،
موتاً بطيئاً لا تتمنّاه حتّى للكلاب؟ 
هل تشعر بالغضب الذي يرجّ جسدك،
ويكسر روحك،
ويحرق دماغك عند أعلى درجة حرارة من
تلك الأسلحة الفوسفورية التي تصنعها الولايات المتّحدة؟
(هل تتذكّر مبلغ الـ172 ملياراً الذي قدّمه العم سام
كي يبثّ الحياة في نظام الفصل العنصري)
حين طالب بايدن وسوناك وستارمر ورفاقه
"بمزيدٍ من الدقّة"
فيما كانت القنابل الخارقة للتحصينات في غزّة،
تحصد 6300 روح لكلّ كيلومتر مربع، 
أي سبعة وأربعين بالمئة من الأطفال؟
الأطفال ناعمون.
ومن السهل سحقهم.
رماد على رماد، وغبار على غبار.
هل تجلس في المطبخ
وتتساءل من أنت، ما العمل،
حين يكون "ميثاق الأمم المتّحدة" و"اتفاقية جنيف" 
مجرّد ورق مرحاض يستخدمه شركاء الموت 
حين يتغوّطون على الكرامة؟
هل يستنزف الثقب الأسود على حافّة اليأس قوّتك
ويدفعك إلى الاختباء؟
"ولكن ما فائدة هذا بالنسبة إلينا":
نسمع أصوت أطفال غزّة وهُم يشجبون.
نتذكّر الطفولة.
تأخذ قطعة من الطباشير.
صغيرة وحقيقية،
ليست رقمية، ليست تغريدة،
وليست مدوّنة.
لحم على الطباشير.
يتّسع لها جيبك، ويمكنك وضعها داخل جاربك
أو في محفظتك.
تأخذها معك،
تمشي مع الطباشير.
تشعر أنّ جسدك وعقلك متّصلان
فيما تمسكها بيدك.
ما الذي يحمله هذا النسيم؟
همساتٌ خافتةٌ تخرج من تحت الأنقاض.
ماذا سيقول أطفال غزّة لنا
لو كانت لديهم هذه الطباشير؟
لنجعل من شوارعنا سبورةً،
ولنكتبها في محطّة الحافلات، على الرصيف، وعلى الجدران 
في مقاهي العمل، أو في الحمّامات،
في موقف السيارات أو في مركز التسوّق،
شارعاً تلو شارع،
من الأعلى إلى الأسفل،
من القرية إلى عبودية المدينة،
ولندع صرخات أطفال غزّة الغاضبة
تصل إلى كلّ مكان.
قطعة طبشور واحدة بمئة لغة
وملايين الأيدي المرفوعة ضدّ أكاذيبهم وقنابلهم،
على درب طباشيري من الضمير:
"لا، ليس باسمنا!"
وليسقط القتلة.
يوماً ما، يا قتلة الأطفال، سوف تجلسون في قفص الاتهام.
هل تتذكّرون التجهّم المتعجرف لجنرالات التعذيب الأرجنتينيّين؟
لقد انتهى بهم المطاف خلف القضبان.
قد تأخذ وقتها وتتأخّر ساعة العدالة، 
لكنها ستصل حتى لو صار شَعركم رمادياً.
إنها لا تخطئ
حتّى لو كنتم على فراش الموت،
تلفظون أنفاسكم الأخيرة.
لن تفلتوا من نظرات أطفال غزّة،
الذين خُنتم طفولتهم.
رماد إلى رماد، وغبار إلى الطباشير.
طباشير. 
 

* نُشر النص في موقع Acción y Contexto الإسباني. ترجمة: جعفر العلوني


بطاقة

Paul Laverty محامٍ وكاتب سيناريو اسكتلندي من مواليد الهند عام 1957. يُعدّ من أبرز المتعاونين مع المخرج البريطاني كين لوتش، وقد عُرف الاثنان بدعمهما للقضية الفلسطينية ومطالبتهما بمقاطعة "إسرائيل". من أبرز أعماله السينمائية: فيلم "البلّوط القديم" (2023).

نصوص
التحديثات الحية

المساهمون