صوت جديد: مع علي شمس الدين

صوت جديد: مع علي شمس الدين

26 يونيو 2021
(علي شمس الدين)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية من خلال أسئلة سريعة مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب. "لا أكتبُ الآن، كلُّ ما أقومُ به هو أنّني أُصغي أكثر، وأتكلّم أكثر"، يقول الشاعر اللبناني في حديثه إلى "العربي الجديد".


■ كيف تفهم الكتابة الجديدة؟

- الجمجمةُ التي يجتاحُها الجنُّ. هكذا هي الكتابةُ الجديدة؛ أو بالأحرى هكذا أفهمُها. وأقصدُ بالجنِّ المخلوق الذي تسمعُ عنهُ دائماً ولا يمكنكَ رؤيتُه. الكتابةُ الجديدةُ بمثابةِ مخلوقٍ أو كائنٍ آتٍ مِنْ أمكنةٍ أسطوريّة وغريبة؛ هذا الكائنُ هو نحنُ كجيلٍ، تحتَ مسمّى جديدٍ خلقناهُ من أساطيرنا اليوميّة؛ مِن واقعِنا ويوميّاتنا وفراغاتنا. هذه الفراغاتُ التي مثل الكلابِ الأليفة تحتاجُ إلى أنياب لكي تصبح مخيفة. نحن ككتّاب جدُد ما زالت كِلابُنا أليفة ولكنّها يوماً بعدَ يوم تتمرّد.


■ هل تشعر نفسك جزءاً من جيل أدبي له ملامحه وما هي هذه الملامح؟

- لا أنتمي إلى ملامح. هكذا أصلاً شخصيّتي وتركيبتي؛ كيمياءٌ مِن لونٍ أبيض. أجرِّبُ كلَّ يوم أن أكون فقط علي شمس الدّين؛ أو بالأحرى أن أعرف ذاتي الأدبيّة أكثر؛ أجرِّبُ بالموسيقى بالشّعر وبالإصغاء أن أفتح ملامحي على جروحي. ربّما يمكنُ قبل أن أنام، أو عندما ينتهي نهاري الطويل اليوميّ، أن تُضمَّدَ هذه الجروح. قد يكونُ الفنُّ أفضل "بلاستر".


■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟

- أحبُّ أمل دنقل، أحمد عبد المعطي حِجازي، الماغوط، محمّد علي شمس الدّين ــ شاعري المفضَّل وأبي أيضاً. أحبُّ عبد الوهّاب البيّاتي وسركون بولص. كما قرأتُ لسليم بركات.

الأجيال السّابقة بمثابة عوالم تندرجُ فيها أبعاد وتخيّلات وأمكنة وحيوات وتواريخ، عائلاتٌ من الشِّعر والأمكنة أحِبُّ الإصغاء إليها. لا أحبُّ من التّجارب السّابقة الشّعر السّياسي المكثّف إلّا عند مظفر النوّاب؛ لأنه يحبُّ الرشّاشات والخمرة، فهو يمزجُ بينَ صوتِ العنفِ والسّكْر: هذا ببساطة ما قرَّبني منهُ. حالةُ الدَّورانِ هذه في الأزقّة. أمّا أمل دُنقل، فقرَّبني منهُ صوتُه الشجيّ وحساسيّته المُفرِطة في المُوسيقى الشِّعريّة، فهو يميلُ إلى إيقاظكَ من السُّبات، تماماً حينما يقولُ "مَلِكٌ أم كتابة". أمّا سليم بركات، فهو الأحبّ عندي كونه مُسهبا في التردّد الصّوتي للموسيقى الشعريّة. أحبُّ أيضاً شوقي أبي شقرا.

المعنى موجود في العالم، ولتعبّر عنه ما عليك سوى أن تنصت

■ كيف تصف علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟

- كلمةُ ثقافة مستوردة وكلمة بيئة متغيّرٌ ملصَق بالثقافة. بلدي أيضاً ملصقٌ جميلٌ في القلب، مثلَ صورةٍ علّقوها على الجُدران. صورة أو بوستر ثقافي ممتلئ بالألوان وبأقواس قزح وبالنفايات والفانات والعجقات والبيئات المختلفة. لا أنتمي إلى أيّة بيئة وإنما أحاول جاهِداً أن أكون متنوِّعاً. لا أعتقد أنه يجب أن يكون هناك مصطلح ثقافة، و إنّما لغة، فاللّغة الأساس في التعبير الفنّي أو أيِّ تعبير، المعنى موجودٌ في العالم ولكي تعبِّر عنه ما عليك سوى أن تُنصِت. أن تصمُت أن تتكلّم أو أن تصرخ، هذه هي الثقافةُ بالنسبة لي.


■ كيف صدر كتابك الأول وكم كان عمرك؟

- صدرَ كتابيَ الأوّل منذُ فترة وجيزة. صدرَ صدفة لأنّ أصدقائي باسِل و زنّوبيا وأحمد ومحمود يحبّونني. طلبوا بإلحاح منّي أن أجمع النّصوص والقصائد التي أكتبُها في مجموعة، وساعدوني في جَمعِها. هكذا صدر الكتاب بعنوان "هارمونيكا السّفينة نشازُ الطوفان" ضمن سلسلة شعريّة مميّزة. هارمونيكا هي الآلة الموسيقيّة الّتي أحبُّ صوتَها، وهي تعبيرٌ عن الصّوت الموسيقي الّذي يجعلُ السّفينة في انسجام مع الصّوت والبحر. أمّا "نشاز الطوفان"، فيمكنكَ أن تقول هو الصّدمة أو النهاية أو أي شيء ينشزُ في الصّوت ليشكِّلَ عالم إيقاع منفرِد مع نفسِه. وكان عمري 36 عاماً.


■ أين تنشر؟

- نشرتُ كتابي الشّعري الأوّل في "دارِ النهضة العربية"، والقائمون على الدار ساهموا كثيراً في إيصال الكتاب للنّاس، وهُم منَ المهتمّين جداً بنا كأصوات شعريّة جديدة.


■ كيف تقرأ وكيف تصف علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟

- القراءة بالنسبة إليّ تداخلٌ منَ العوالِم والأحاسيس اللّحظويّة. أحبُّ هذه اللّحظويّات. أشعرُ عندما أقرأ أنّني أتمرّد على سطحيّة الجُدران، وعلى الهواء المملّ، فأتنفّس من مكانٍ آخر غير الأنف والفم. كما أنَّ صمت القراءة من الأشياء التعبيريّة الجميلة، وكأنّها تَواردٌ بينكَ وبينَ شخصٍ آخر لا تعرفهُ ولكنّهُ يفتحُ لكَ بابَهُ لتدخلَ عالمَهُ.


■ هل تقرأ بلغة أخرى إلى جانب العربية؟

- أقرأ كثيراً بالعربيّة. وأقرأ بشكلٍ اعتياديّ بالفرنسيّة والإنكليزيّة.


■ كيف تنظر إلى الترجمة وهل لديك رغبة في أن تكون كاتباً مترجماً؟

- الترجمة هي صوتٌ على صوت. كأنّها مجموعة من الأوركسترا الصوتيّة؛ تعزفُ معزوفات لمؤلّفين، وهي إضافة عولميّة إلى العالم الأصليّ. كأنّها خلقٌ في الخلق، أو إبداع على الإبداع. ترجمتُ كتابَ ماري جليل عن الفرنسيّة بعنوان "رولان بارت: بديل الحياة"؛ دخلتُ إلى صوتِ المؤلِّفة، فوجدتُ فيهِ تلكَ البحَّة في الصّوت لاسترداد الأزمة السيريّة، وكأنّها تحبُّ السّيرة إلى درجة جرح الصوت.


■ ماذا تكتب الآن وما هو إصدارك القادم؟

- لا أكتبُ الآن، كلُّ ما أقومُ بهِ هو أنّني أُصغي أكثر، وأتكلّم أكثر. 


بطاقة

شاعر ومترجم لبناني، من مواليد بيروت 1985. حاصل على دكتوراه في القانون من "جامعة بيروت العربيّة". صدرَ لهُ كتاب في التّرجمة بعنوان "رولان بارت: بديلُ الحياة" عن "دار الرّافدين". كما صدرت لهُ مجموعةٌ شعريّة واحدة بعنوان "هارمونيكا السّفينة نشازُ الطّوفان" (2021)، لدى "دار النهضة العربيّة" ضمن سلسلة "أصوات" الشعريّة. يقيمُ ويعملُ في بيروت.

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون