سيرخيو راميريث.. كان كتاباً عن الاحتجاجات فحسب

سيرخيو راميريث.. كان كتاباً عن الاحتجاجات فحسب

25 سبتمبر 2021
سيرخيو راميريث في "بيت أميركا"، مدريد، في 14 أيلول/ سبتمبر الجاري (Getty)
+ الخط -

أثار اضطهاد الكاتب والأكاديمي النيكاراغوي سيرخيو راميريث، الحائز "جائزة سرفانتس" لعام 2017، من قبل حكومة بلاده، ردود فعل عديدة في العالم الثقافي الناطق بالإسبانية، والذي تحوّل دعماً لمؤلف "مارغريتا، البحر الجميل".

ففي السابع من هذا الشهر، صدر اتهام عن النيابة العامة النيكاراغوية، بناءً على دعوى تقدّمت بها الوزارة العمومية، ضدّ الكاتب، بسبب "قيامه بأعمال تروّج للكراهية والعنف وتحرّض عليهما"، إضافة إلى تلقّي أموال من مؤسسة "فيوليتا باريوس دي شامورو" المنحلّة... التُّهَم الموجهة إلى الكاتب هي نفسها التي وجّهها مكتب المدعي العام في نيكاراغوا إلى 34 معارضاً ومنتقداً لنظام دانيل أورتيغا، بمن في ذلك سبعة مرشحين للرئاسة، احتُجزوا جميعاً بين حزيران/ يونيو وآب/ أغسطس الماضيين.

وردّاً على هذا الاتّهام أصدرت "الأكاديمية الملكية الإسبانية للغة" (RAE)، في الحادي عشر من الشهر الجاري، بياناً احتجاجياً على مذكرة التوقيف الصادرة ضد سيرخيو راميريث، والذي يعَدَّ عضواً مراسِلاً في الأكاديمية. وجاء في البيان: "تدافع الأكاديمية الملكية الإسبانية عن حرّية الفكر والتعبير باعتبارها من القيَم الأولى لأي نظام للتعايش السلمي، وتأسف للمحاولة الفظيعة للحدّ منها بهدف تجنّب النقاش الحرّ حول الآراء والأفكار".

قد يكون سبب ملاحقته نشره رواية يصف فيها احتجاجات 2018

"الكلمات يجب أن تُستعمل من قبل الجميع بحرّية، إنّ تجنب التعبير الحر عن جميع أشكال الآراء، وعلى الأخص تلك التي تحتوي مضامين سياسية، هو أكثر أشكال الممارسة التعسّفية للسلطة وأكثر ما لا يمكن احتماله، لأنه يؤدي إلى اضطهاد المواطنين لصالح الطبقة الحاكمة حصرياً. إننا نطالب بالرفع الفوري للإجراءات المتّخذة ضد زميلنا المحبوب دون سيرخيو راميريث"، يختتم البيان، الذي انضمت إليه معظم الأكاديميات الناطقة باللغة الإسبانية في العالم.

وفي أعقاب نشر موقف الأكاديميات اللغوية في أميركا اللاتينية، تم إصدار عريضة تضامن تدعم الروائي النيكاراغوي بتوقيعات أكثر من خمسمائة شخصية من عالم الثقافة. وجاء في العريضة، التي ما تزال مفتوحةً لجمع توقيعات الكتاب والمثقّفين من العالم الهسباني: "سيرخيو راميريث ليس مثقّفاً من الدرجة الأولى فحسب، بل لطالما كان رجلاً ملتزماً بمصير بلده، وقد قدّم له خدمات لا تُنسى".

وتضيف العريضة أن "التهم التي تم تلفيقها ضدّه ـــ وضدّ ما يقرب من أربعين سجيناً سياسياً ـــ هي دليل ملموس على الانحراف القمعي للنظام في نيكاراغوا، العازم على إسكات خصومه من خلال السجن أو إجبارهم على المنفى". كما تنصّ العريضة على أن "الملاحقة التي قامت بها حكومة نيكاراغوا ضد الكاتب سيرخيو راميريث تمثّل اعتداءً على الحرية وإهانة للذكاء وللعبقرية"، مؤكّدة على أن "الموقعين يعبّرون عن تضامنهم مع سيرخيو راميريث، وبهذا الشكل يعبرون أيضاً عن تضامنهم مع المجتمع النيكاراغوي... الذي يعاني الآن من قسوة حكم ديكتاتوري ما زال تصعيده القمعي بعيدا جداً عن أن ينتهي...".

الصورة
"تونغوليلي لم يكن يعرف كيف يرقص"
غلاف "تونغوليلي لم يكن يعرف كيف يرقص"، الرواية التي يصف فيها راميريث احتجاجات 2018 في نيكاراغوا

ومن بين الموقّعين على هذه العريضة، يمكن تمييز أسماء العديد من الكتّاب والفنانين البارزين، مثل: خافيير مارياس، وأرتورو بيريث - ريبيرتي، وبينخامين برادو، وهيكتور أباد فاثيولينثي، وليوناردو بادورا وغييرمو أرياغا، وآنّا بلين، وفكتور مانويل، وميغيل ريوس، وإيدا أرماس، وأيتانا سانشيث خيخون، وخوان خوسيه كامبانيا، وإلفيرا ليندو، وخوليو ياماثاريس، ولويس لانديرو، وإينريكي كراوث، وأنطونيو مونيوث مولينا، وخورخي فولبي، ووليام أوسبينا.

عودةٌ تعني موتاً محقّقاً
الكاتب النيكاراغوي (من مواليد 1942)، الذي كان خارج وطنه عندما تمّ الإعلان عن ملاحقة حكومة بلاده له، كان قد حلّ بمدريد مطلع الشهر، وشارك يوم 13 أيلول/ سبتمبر في نشاط ثقافي بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس "معهد سرفانتس". وكان راميريث قد أودع في خزنة الآداب الخاصّة بالمعهد (وهي رواقٌ يضمّ إرث ومقتنيات العديد من الشخصيات الأدبية) إرثاً للشاعر النيكاراغوي روبين داريو (1867-1916) يتكوّن من صندوق خشبي صغير به تراب من حديقة بيت الشاعر في مدينة ليون النيكاراغوية، ونسخة من الطبعة الأولى (1905) من ديوانه "أغاني الحياة والأمل"، الذي يُعتبر تحفة شعرية لأحد مؤسّسي الحداثة في الشعر الأميركي اللاتيني.

وقد صرّح سيرخيو راميريث أثناء نشاطه في "معهد سرفانتس" أن "العودة إلى بلدي ستعني السجن، وبالتالي الموت بالنسبة إلي". وأضاف: "لا أستطيع أبداً أن أكون في السجن بدون مساعدة طبية. وهُم قساةٌ جدّاً. هناك سجناء يقضون أربعاً وعشرين ساعة في اليوم في الضوء، وآخرون في عزلة... هذه ظروف لن أذهب للبحث عنها. لقد وُجّهت إلي ثماني تُهَم جنائية، ماذا يمكنني أن أنتظر؟ العبور من المطار إلى مركز الاعتقال في الشيبوتي، ذلك المكان الفظيع".

ويؤكّد راميريث أن تعقّب حكومة نيكاراغوا له يرتبط بنشاطه الأدبي وليس بالممارسة السياسية، التي انسحب منها عام 1998، وأن "الانفجار" الذي عرفته الأمور كان بسبب روايته الجديدة، "تونغوليلي لم يكن يعرف كيف يرقص"، المعروضة حالياً في المكتبات بإسبانيا، وهي رواية يحكي فيها عن الاحتجاجات التي اندلعت في نيكاراغوا عام 2018، وعلى الأخص كيف تعاملت معها الحكومة وكيف قامت بسحقها. وتكشف التجاوزات وانتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في شوارع ماناغوا وفي مدن أخرى، ما دفع السلطات إلى منع دخول الرواية إلى البلاد. وقال راميريث تعليقاً على ذلك: "ليس للديكتاتوريات، لحسن الحظ، علاقة بالإبداع. هم يستجيبون للرداءة فحسب". وقد طالبت السلطات النيكاراغوية الناشر بعدّة تقارير تلخّص الحبكة للإفراج عن النسخ المحتجزة التي أرسلت إلى نيكاراغوا أو الاستمرار في احتجازها. لكنّ العمل يتمّ تداوله بشكل واسع في البلاد عبر تطبيق واتسأب.

عريضة لمساندته وقّعها عدد من أبرز الكتّاب بالإسبانية

العمل ينتمي إلى صنف الرواية السوداء، لكن الأحداث تدور إبّان احتجاجات 2018 وقد صار بطلها، وهو عميل غامض للثورة الساندينية (نسبةً إلى حزب "الجبهة الساندينية للتحرير الوطني" النيكاراغوي)، مرتزقاً يعمل كحلقة وصل بين العالم السفلي ونُخَب الديكتاتورية. يشترك العمل، على مستوى الموضوع والإعدادات ومسرح الأحداث والنبرة وبعض الشخصيات، مع رواية سيرخيو راميريث السابقة، "لا أحد يبكي من أجلي" (2018).

يقيم سيرخيو راميريث حالياً في كوستاريكا، وبعد إنهاء أنشطته المختلفة في معاهد سرفانتيس في المملكة المتّحدة وألمانيا وفرنسا، سيقرّر ما إذا كان سيستقر بشكل دائم في المكسيك أو في إسبانيا. لكنّه يعلن عن ارتيابه الشديد من إمكانية عودته إلى وطنه في يوم من الأيام، مؤكداً أن المنفى هو "أسوأ ظرف يمكن لأي شخص أن يمرّ به".

يُشار إلى أنه سبق لراميريث أن تقلّد منصب نائب الرئيس النياكراغوي دانييل أورتيغا إبان الحكومة الساندينية الأولى، التي أعقبت الثورة على الرئيس السابق أناستازيو سوموزا دي بايل في نهاية السبعينيات. ولم يكن الكاتب الشخص الوحيد من القادة الساندينيين الذين تعرّضوا للملاحقة والتنكيل، فقد سبقه إلى ذلك شاعر الثورة الساندينية إرنستو كاردينال...

المساهمون