رحيل أنطونيو ريكالكاتي: حين تتحوّل اللوحة إلى صورة شعاعية

رحيل أنطونيو ريكالكاتي: حين تتحوّل اللوحة إلى صورة شعاعية

08 ديسمبر 2022
أنطونيو ريكالكاتي، 2018 (ويكيبيديا)
+ الخط -

لم يكن مُفاجئاً أن يلفت التشكيلي الإيطالي أنطونيو ريكالكاتي الأنظار منذ تجربته الفنّية الأولى، التي قدّمها في معرضٍ له بمدينة ميلانو عام 1959، بينما كان اسمُه مجهولاً في المشهد الفنّي الإيطالي، وهو الذي لم يكن قد دخل مدرسةً للفنون أو تعلّم "المهنة" على يد فنّان آخر.

حمل المعرض عنوان "بصمات"، وقدّم فيه ريكالكاتي لوحاتٍ تشبه صفائح التصوير الشعاعي، حيث كان يستلقي على اللوحة المطلية بالألوان، أو يجلس فوقها ليطبع عليها هذا القسم من جسده أو ذاك، ويحصل على ما يشبه "بصمات جسدية" له. فكرةٌ غريبة في ذلك الوقت، جلبت للرسّام الشاب الأضواء وفتحت باب صالات العرض الميلانية أمامه.

عن أربعة وثمانين عاماً، رحل أنطونيو ريكالكاتي يوم الأحد الماضي، الرابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، في مدينة ميلانو، التي وُلد في إحدى ضواحيها (ضاحية بريسّو) عام 1938.

الصورة
من "بصمات" ريكالكاتي، 1962
من "بصمات" ريكالكاتي، 1962

ورغم بداياته الموفّقة في ميلانو وإيطاليا بشكل عام، إلّا أنه لن يعرف النجاح الفعلي والاعتراف من قِبَل أقرانه الفنّانين إلّا بعد انتقاله إلى باريس عام 1963، حيث سيلتقي عدداً من الرسّامين البارزين، وسيشترك مع الفرنسيين جيل أيّو وبول رُبيرول، والإسباني إدواردو أرّويو، في وضع واحدةٍ من أبرز اللوحات وأكثرها إسالةً لحبر الصحافة بين ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، والحديث هنا عن لوحة "عشْ ودع الموت يأخذ مجراه، أو نهاية مارسل دوشان المأساوية" (1965)، والمؤلّفة من ثماني قطع متجاورة ومتكاملة.

وتصوّر اللوحات ــ التي أراد الفنانون الأربعة أن تكون أشبه بمانيفستو لما سيسمّونه "التشكيل السردي" ــ ثلاثةَ فنانين يتعرّضون لدوشان بالضرب قبل أن يقتلوه ويحملوا جثمانه في نعش مغطّى بالعلم الأميركي. واللوحة، على عنفها، إشارةٌ نقدية من فناني هذا التيار السردي نحو الفن المفهومي والتجريد المجّاني.

الصورة
"عش ودع الموت يأخذ مجراه، أو نهاية مارسل دوشان المأساوية" خلال عرض بمدريد عام 2013
"عشْ ودع الموت يأخذ مجراه، أو نهاية مارسل دوشان المأساوية" خلال عرض بمدريد عام 2013 (جان بول مارنياك/ فليكر)

بدءاً من السبعينيات، سيبدأ الفنان سلسلة من الرحلات حول العالَم، ولا سيما في أميركا اللاتينية والشرق الآسيوي، وهي رحلاتٌ فتحت آفاقه على ثقافات أُخرى، وقرّبته أكثر من هموم الناس، وساهمت في ازدياد انتقاده التدخُّلات الأميركية وسياسات هذا البلد، التي كان شاهداً عليها وعلى تبعاتها، ولا سيّما في كوبا.

وستظهر رؤيته النقدية هذه تجاه الولايات المتّحدة، وتجاه إمبرياليتها والطابع الرأسمالي لحياتها اليومية، في العديد من لوحاته اللاحقة، ولا سيّما في السلسلة التي يصوّر فيها مشاهد داخلية أميركية (1972)، ومن ثم لوحاته التي تُبرز شوارع ومشاهد عمومية من نيويورك، المدينة التي سيقيم فيها خمسة أعوام (1985 ـ 1990).

بعد التفاته بشكل شبه كلّي، مطلع التسعينيات، إلى النحت والسيراميك، سيعود التشكيلي الراحل إلى التصوير الفني بدءاً من عام 1996، واضعاً العديد من اللوحات المستلهمة من زياراته إلى المغرب وغيره من بلدان جنوب المتوسّط، قبل أن يعود، في سنواته الأخيرة، إلى استعادة أسلوب "البصمات" الذي اتسمت به بداياته، وكأنه أراد لمسيرته أن تكتمل من خلال عودتها إلى النقطة الأولى.

المساهمون