خوردي سافال: إصغاء إلى موسيقى الماضي

خوردي سافال: إصغاء إلى موسيقى الماضي

22 يوليو 2022
خوردي سافال خلال حفل في مالقة، إسبانيا، 2020 (Getty)
+ الخط -

نادراً ما أُتيح لمحبّي الموسيقي أن يُشاهدوا، ويسمعوا، موسيقياً ثمانينياً تمرح يداه على آلة الفيولا (أو كمان الساق) كما لو كانت لشابٍّ في العشرينيات من العمر. بمشهدٍ كهذا يفتتح المخرج بنجامان بلوتون فيلمه الوثائقي "خوردي سافال: موسيقيّ من أجل أوروبا" (2021)، الذي يعرضه موقع قناة "آرتي" الثقافية هذه الأيام.

مع فرقته التي تبدو وكأنها تنتمي إلى عالَم آخر، إلى عالَم موسيقيّ وسيط، بآلاتها الخشبية العتيقة، يعزف الفنان الإسباني خوردي سافال (1941) تنويعات على "فولياس" أنطونيو إي كول، الموسيقي الإسباني (1671 - 1734) الذي كان من أبرز أسماء عصر الباروك في بلاده. ويتحدّث، وهو يعزف، عن مسيرته الممتدّة لنحو ستّة عقود.

يختار بنجامان بلوتون لفيلمه أن يكون بورتريهاً فعلياً لـ سافال، حيث يختفي المخرج تماماً وراء الكاميرا، مثل الرسّامين، ويبقى الموسيقي الإسبانيّ وحيداً تحت الأضواء، أمام الكاميرا، أو فقط بصوته، يتحدّث عن طفولته الكتالانية (وُلد في إيغولادا قرب برشلونة)، عن أوّل آلة موسيقية اشتراها، أو عن أولى المعزوفات للفيولا، التي اكتشفها واقتناها وعزفها دون أن يعرف تماماً ما كان يفعل، حيث كان في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة من عمره.

اكتشافٌ للفيولا، ولأعمال باخ وماران ماريه (1656 ــ 1728) المكتوبة لهذه الآلة، سيحدّد مستقبل الفنّان الذي بدأ عازفاً على التشيلّو؛ حيث سيأخذ على عاتقه البحث عن التدوينات الموسيقية المكتوبة لهذه الآلة، ليكتشف المئات منها، والتي "تنام في المكتبات منذ قرون"، بحسب تعبيره.

يُركّز الفيلم على البُعد الأوروبي لتجربة سافال، الذي يقول إنه، على صعيد الموسيقى، أوروبيٌّ قبل أن يكون كتالانياً، كما يُشير إلى أن "أوروبا الموسيقية وُلدت قبل أوروبا التي نعرفها بمئتي عام"، حيث كان الموسيقيون يتنقّلون بين بلدان القارّة، ويتبادلون الخبرات، ويشاركون في صناعة إرث مشترَك، غالباً دون أن يدروا.

ولا يكتفي بنجامان بلوتون بمرافقة سافال في العديد من حفلاته بين مدن القارّة الأوروبية، بل يُدخلنا إلى مشغله الإبداعيّ، حيث مكتبه التي تبدو هي أيضاً قادمةً من عصرٍ قديم، حيث كُتُب الألحان ذات التجليد العتيق، والتي يعود كثيرٌ منها إلى القرن السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر.

كما يكشف الفيلم عن جوانب من فلسفة سافال الموسيقية، كاعتقاده مثلاً أن الموسيقى وتوزيعها يصبحان أسهل حين تُرافق النوتةَ كلماتٌ، لأن الأخيرة تفرض إيقاعها، أو تقترح توزيعاً يكفي على الملحّن أن يتتبعّه ليصل إلى حلّة مقنعة.

المساهمون