حيرة ألمانية من التضامن مع فلسطين: حُمّى إلغاءات العروض

حيرة ألمانية من التضامن مع فلسطين: حُمّى إلغاءات العروض

20 مارس 2024
الشرطة الألمانية تحاصر متضامنين مع قضية فلسطين، برلين، 9 آذار/ مارس 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- حادثة إلغاء عرض فني للفنانة كانديس بريتز بمتحف سارلاند في ألمانيا بسبب اعتراضها على جرائم إسرائيل في غزة، تثير الجدل حول حرية التعبير وتعكس رغبة الدولة في فرض تصور موحد لليهودية.
- الضغوط السياسية والاجتماعية وراء إلغاء العرض تكشف عن التحديات التي تواجه الأصوات المعارضة في النظام الثقافي والسياسي الألماني، مما يسلط الضوء على قضايا حرية التعبير.
- ردود فعل قوية من الأوساط السياسية والدولية تعتبر الحادثة "فضيحة" وتطالب بتحقيقات، مما يعكس القلق المتزايد حول الديمقراطية وحرية التعبير في ألمانيا، خاصة بالنسبة للنقد السياسي والتضامن مع القضايا العالمية.

"بهذا المعدّل لن تبقى لألمانيا أيّ شخصية يهودية أُخرى لتحظرها"، هذا ما نشرته الفنّانة اليهودية من جنوب أفريقيا والمقيمة في برلين كانديس بريتز، بعد إعلان "متحف سارلاند" في شمال ألمانيا إلغاء عرض فنّي لها كان مقرّراً أواخر العام الماضي، بعد اعتراضها على جرائم الإبادة التي تقوم بها "إسرائيل" في غزة، والعبارة هي في الأساس اقتباس من صحافية وكاتبة يهودية أُخرى اسمها نعومي كلاين، وتحمل الجنسيّتين الكندية والأميركية، وقد جاء تعليقاً على فصل ومنع وسحب جوائز من كتّاب يهودٍ آخرين، على خلفية دعمهم للشعب الفلسطيني ونقدهم لأعمال دولة الاحتلال هناك. 

تلفت الكاتبتان النظر لحُمّى الإلغاءات التي أُصيبت بها المؤسسات الألمانية، بعد أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وأنها تستهدف ربّما بشيء من الخصوصية، كتّاباً وناشطين يهوداً متضامنين مع فلسطين، وذلك تماشياً مع رغبة ألمانيا في فَرْض تخيُّلها ليهودية الأشخاص وربطها بنمط سلوكي مُوحَّد، يتمثّل في الدفاع المستميت عن "إسرائيل" وإبرازها كمعقل أخير ووحيد لليهود، ما يتسبّب في فوضى إلغاءات وقرارات مستعجلة وغير مدروسة، من مسؤولين وإداريّين داخل الدولة الألمانية. 

وهذا ما كُشِف جزءٌ منه بعد إعلان رئيسة "متحف سارلاند" أندريا يان، وهي المسؤولة رسمياً عن إلغاء عرض الفنانة الجنوب أفريقية، قبل أيام من استقالتها من منصبها، وذلك بعد انتشار رسائل نصية بينها وبين الفنّانة تُبيّن أن يان لم تكن المسؤولة الحقيقية عن إلغاء العرض، ولكنّها لم تستطع الوقوف في وجه القرار، رغم أنّه من صلاحياتها. 

مخيال ألماني عن اليهود لا يستطيع أن يتصوّر تضامنهم مع فلسطين
 

"أُريد أن أؤكّد لك أنّه لا يوجد عندي أيّ دافع للمشاركة في هذا القرار الخاطئ... ربّما يكون لهذا تبعات وخيمة، عليّ أن أحسب حسابها، كأن أعفى من كلّ مناصبي أو أخسر وظيفتي"، كما جاء في رسالة إلكترونية (في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023)، أرسلته رئيسة المتحف إلى الفنّانة كانديس بريتز.

هذا الضغط مارسته، حسب الرسائل، وزيرة الإعلام والثقافة في ولاية سارلاند كريستيني شترايشرت-كليفوت من "الحزب الديمقراطي الاجتماعي"، وذلك بعد لقاء وصفته أندريا يان بالمُرعب بحضور من سمّتهم ممثّلي الوزارة مع وفد من الجالية اليهودية في المدينة، وأنهم هدّدوها بإصدار إدانة في حقّها إذا لم تمنع العرض الفنّي، مع العِلم أن العرض الذي كان مقرّراً لا يتّصل بأيّ شكل بالقضية الفلسطينية، بل يناقش قضية "العمل بالجنس" في كيب تاون، عاصمة جنوب أفريقيا. 

وفي رسالة لاحقة تضيف أندريا يان أن "الوزيرة لا تزال تفترض أنّ علي أن أوافقها الرأي، وذلك بعدما منعتني من إجراء أيّ حوار. لقد حاولتُ الاتصال بها لإخبارها أنّني لا أوافق على هذا القرار. هي تظنّ أنها تستطيع التحكّم بيّ". 

وفي حديث لصحيفة "إس-أر" المحلّية نفت الوزيرة هذه الاتهامات، وقالت إنها لم تحاول تقييد تواصل إدارة المتحف مع وسائل الإعلام، بينما لم تصدر بعد عن رئيسة المتحف أندريا يان أيّ تصريحات بخصوص الرسائل التي تداولها الإعلام. 

ضغوط وملاحقات يمارسها مسؤولون حكوميون بحق الفنانين

وقد اعتبر سياسيّون من حزبَي "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" و"الخضر" الحادثة بأنها "فضيحة من الدرجة الأولى"، وقد طالبوا بإجراء تحقيق حول ملابساتها، خصوصاً بعد الضجّة التي أُحْدِثت حولها ومن أوساط دولية، لا تخفي مخاوفها من الخروقات الفادحة في الديمقراطية الألمانية. 

فالنخبة السياسية في ألمانيا فرضت بطريقة غير مباشرة وعلى مدى عقود على من تبقّى فيها، أو وفد إليها من يهود، تبنِّي أن ألمانيا قد قامت بواجبها على أتمّ وجه لغسل ماضيها، وذلك بدعمها المُطلق لدولة الاحتلال، لأن هذا في ظنهم يُعفي ألمانيا الحالية من أي تبعات لتاريخها تجاه اليهود، وينفي بشكل قاطع ارتباط أيّ مظهر من مظاهر الحياة في الوقت الحالي داخل ألمانيا بما كانت عليه أثناء فترة حكم النازية، كأن هذه الفترة بكل تبعاتها وتغلغلاتها قد فَنيت تماماً وانجلت من المجتمع والسياسة. هذه النظرة غير المنطقية ينفيها من جهة صعود الأحزاب اليمينية وهي بلا شك امتداد للأحزاب والأفكار النازية، ومن جهة أخرى طريقة تعامل الدولة الألمانية مع كل الأصوات المناصرة للشعب الفلسطيني أو المحتجة على الإبادة الجارية الآن، والتي تُبرِز فاشية جديدة تتسلق شيئاً فشيئاً سلَّم هذا النظام، في ألمانيا الجديدة هذه. 

المساهمون